السبت 17 يونيو 2017 / 21:09

المعركة الأخيرة لقناة الجزيرة

عندما تشاهد قناة الجزيرة في هذه الأيام، وتتابع برامجها المعتادة ومذيعيها الذين تعرفه، ستلاحظ في العيون المرتعبة والوجوه الكالحة، نظرات موظفين في شركة قد أعلنت إفلاسها ولم يبق لها إلا أيام معدودة قبل تسريح كل الموظفين. مثل هذا التسريح كارثة بالنسبة إليهم، ويصحبه في العادة وداع جماعي وبكائيات لأن الجميع لا يدرون أين سيذهبون، في هذا العالم مترامي الأطراف.

هذا هو الشعور الجمعي لمنسوبي قناة الجزيرة ولذلك يظهرون في هذه الأيام في حالة صعبة، ليس هناك أدنى سيطرة على الأعصاب، غابت ضحكات السخرية، وحلّت محلها الردود الغاضبة السريعة، وتهدجت الأصوات، وغلبت عليهم حالة من العُصاب الجماعي، كل فرد في القناة يسعى لأن تستمر الأزمة وتتفاقم، فلا أحد في ذلك المبنى الصغير الحقير يريد للأزمة أن تنتهي. كل واحد من تلك الضباع قد استمرأ العيش والاقتيات على بقايا الجثث، كما فعلوا بجثة معمر القذافي، أحد أصدقائهم القدامى. ضحكوا معه طويلاً وأكلوا وشربوا على مائدته، ثم أفتوا بقتله ورقصوا حول جثته، في عربدة مجنونة، تُذكر بجنون غاليغولا.

هذه الأزمة، سواء أرادوها أن تنتهي أم لم يريدوها، لا فرق، الصبر لن يضرنا في شيء، فمن الواضح أن القيادة العليا في الإمارات والسعودية ومصر والبحرين قد أخذوا القضية بطول نفس. في جميع الأحوال المتضرر الوحيد هي دولة قطر، وكلما طال عمر الأزمة كلما تضررت أكثر.

هذه الدول المجاورة للأخت الصغرى قد تضررت كثيراً وصبرت كثيراً على قطر، وقدمت دعوى واضحة وحق أبلج، ولن ينفع النظام القطري الحالي أن يلوح بحقه في الحرية، فكل فلاسفة الحرية قرروا أن حريتك تنتهي عند حدود حرية الآخرين. لقد تضررت دولنا ولن تعود عن قرار المقاطعة بقبلات على الجبين، ولا بمحاولات الهروب إلى الأمام والدخول في مهاترات صبيانية، كل هذا لن ينفع، هذا ما يجب أن يعيه القطريون جيداً. أضف إلى هذا أن قرار المقاطعة من الحرية المؤصلة قانونياً، لم نحاصركم، ولن نقاتلكم، لكنه من أبسط حقوقنا، ألا نتعامل معكم.

هناك سياسة خارجية وضع أسسها العميل السري ( 007) المعروف ب (HBJ) أو من يُقال له بالعربية (حمد بن جاسم ) ثعلب السياسة القطرية، الذي كان يحلم بتقسيم السعودية "حبذا استحضار موسيقى جيمس بوند عند ذكر هذا الرجل". هذه السياسة الخارجية القائمة على التعامل مع الجميع ودفع الرشاوي للجميع، من الخلايا الإرهابية إلى منظمات حقوق الإنسان، كل هذا لمجرد إلحاق الأذى بالجيران، كل هذا يجب أن يتوقف، ولن تتوقف المقاطعة حتى يتوقف، وتقدم على ذلك البراهين. لن تحيد الدول الأربع المتضررة حتى يتم تفكيك هذه السياسة الخارجية وإعادة العلاقات الطبيعية في العالم العربي. من اعتقد أن الصلح سيتم بين الأطراف المعنية دون تحقق هذه الغاية مخطئ ويبني بيوتاً من رمل بجوار بحر.

في هذه الأثناء والظروف الصعبة لقطر، نجد أن متعهد الثورات وخراب البيوت(HBJ) يجوب العالم ويعقد الصفقات التجارية الضخمة لمصلحته الشخصية لا لمصلحة قطر. نشرت موقع 24 (من أبو ظبي) خبراً عنه بتاريخ 14 يونيو 2017 مفاده أن اللص الظريف (HBJ) قد انضم إلى رأس مال بنك دويتشه، بعد أن ضخّ فيه استثماراً ضخماً، في أكبر عملية رفع لرأس ماله بقيمة 1.75 مليار يورو(2.45 مليار دولار). وقد دخل اللص الظريف في هذه الصفقة باسم قطر، لكن الحقيقة هي أنه لا علاقة لقطر بهذه الصفقة، بل المستثمر الحقيقي هو حمد بن جاسم. هل سيهرب اللص الظريف إلى بريطانيا ويترك قطر تواجه نتيجة أعماله هو؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام، وليس هو موضوعنا اليوم. (سنودعه الآن باستحضار شيء من موسيقى جيمس بوند).

لنعد إلى قناة الجزيرة. عندما تسمع وترى شراسة خطابها في هذه الأيام، تشعر أن المعركة معركة قناة الجزيرة وليست معركة الشعب القطري، فأبناء قطر يعلمون أن من بالسعودية والإمارات والبحرين هم أهلهم الذين سيدافعون عنهم، إذا احتاج القطريون لمن يدافع عنهم. أما طاقم الجزيرة من شذّاذ الآفاق فيشعرون إنها معركة وجود : يكونون أو لا يكونون. لذلك لا بد أن نرثي لحالهم بعض الشيء، فهم فعلا يدعون للشفقة. لكننا ولا بد سنعود لنقول: "يداك أوكتا وفوك نفخ" فهذه القناة والنظام القطري الذي أتى بها، يذوقان اليوم ملعقة صغيرة من ذات الكأس التي شربت منها الدول العربية فانهار بعضها وتضرر بعضها. إنها الكارما، إنها "ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره".

مع اندلاع الثورات 2011 فيما أسموه "الربيع العربي" كتبت مقالة في صحيفة عكاظ بتاريخ 22 مايو 2011 وكان عنوانها (أخرجوا الإخوان المسلمين من قناة الجزيرة) انتقدت تغطية قناة الجزيرة للأحداث والتي لا علاقة لها بالمهنية بتاتاً، لا من قريب ولا من بعيد. يوم كامل من الاحتفال الصاخب الذي لم ينقصه إلا توزيع "الشربات" باستقالة الرئيس محمد حسني مبارك، وتقرير غريب تكرر في ذلك اليوم عدة مرات، على قناة يُفترض أن تكون مجرد قناة تنقل الأخبار بحيادية، لا قلعة حرب أو غرفة عمليات عسكرية. في ذلك التقرير كانوا يتلون الآية الكريمة (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) بمعنى أنهم شبهوا الحاكم العربي المسلم محمد حسني مبارك بفرعون عدو موسى عليه السلام، في تكفير ضمني واضح. ولم يكتفوا بهذا، بل هددوا بهذا التقرير كل حاكم عربي مسلم آخر، لا يخضع لهم ولربيعهم المشئوم.

لا غرابة في كل ذلك، فهؤلاء هم الإخوان المسلمون منذ أن ابتلانا الله وعرفناهم، وهذا فكرهم وهذه "خلاقينهم" كما يقول المثل الشعبي. لكن هذا لن يمنعنا من فضح أكاذيبهم التي انهالوا بها على الجمهور العربي، لكي يتبين مدة تهافت الخطاب الذي ينطلقون منه.

في الحلقة الماضية من برنامج الاتجاه المعاكس، كانت أول جملة قالها فيصل قاسم في استهلال البرنامج هي: "ألم يصبح مجلس التعاون الخليجي في خبر كان، بعد الزلزال الذي ضربه مؤخراً؟". لا بد أن ننتبه جيداً لمثل هذا الدس الخبيث، ولتقنية الإيحاء التي يراد منها ترسيخ أفكارهم في ذاكرة المتلقي، وضرب الوحدة الخليجية لكي تواجه كل دولة من دول الخليج مصيرها لوحدها.

أحد ضيفي الحلقة كان د. محمد هنيد كاتب من تونس يكتب في صحيفة عربي 21 التابعة لعزمي بشارة، وهنيد هذا برغم كونه تونسياً إلا أنه يضع علم قطر كخلفية لصفحته في موقع تويتر، بدلا من علم تونس! هذا أمر آخر لا بد أن ننتبه له، أن برنامج الاتجاه المعاكس كان يستضيف واحداً على الأقل ممن يعملون لدى عزمي بشارة أو عند (HBJ) في معظم الحلقات.

في هذا البرنامج يُعطى الضيف دقيقة أخيرة قبل نهاية البرنامج ليرسل رسالة مضغوطة للجمهور، هي خلاصة ما يريد قوله، والذي قاله هذا الرجل هو " انتهى مجلس التعاون ولا بد من تأسيس مجالس عربية حقيقية". أما الضيف الثاني فقد كان الكاتب الكويتي الحر د. عايد المناع، الذي عبر عن موقف الخليجيين الوطنيين فعلاً، فقد أوقف الاثنين معاً وأفحمهما واتهمهما على الهواء بأنهما ومن ورائهما هم من يسعون لتفكيك مجلس التعاون الخليجي وأنهم هم من يقومون بتهييج الأزمة والنفخ في نارها لكي لا تنتهي، وأن أفضل ما يمكن أن يفعله العرب هو أن يتركوا الخليجيين لحالهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم. لقد اختصرها المناع في جملة: "الذي يثير الفتنة هو أنت وربعك" فسدد بها لكمة قوية لمصداقية قناة الجزيرة، وها هي بدأت تترنح وتغني أغنية البجع الأخيرة.