غلاف "جيرمين وإخوانها" لحازم صاغية.(أرشيف)
غلاف "جيرمين وإخوانها" لحازم صاغية.(أرشيف)
الإثنين 19 يونيو 2017 / 21:14

حازم صاغيّة

السياسة في ترّهاتها اليوميّة وعلاقاتها الإجتماعية وعقائديتها العبوديّة باعثة على السخر والتفكهة، لكنّ هذا ليس كلّ شيء عند حازم، فثمّة وجه آخر حزين تنقلب إليه مهازل السياسة الّتي ليست فقط قهقهة

أخيراً يضع حازم صاغيّة، الكاتب السياسي، على غلاف كتابه الأخير"جرمين وإخوانها" كلمة "قصص". من يعرف حازم صاغيّة لا تفاجئه الكلمة، فالقصص ليست غريبة على حازم، لقد كتب قصصاً لم يسمّها قصصاً لعلّة لا نعرفها، وإلا ما هي "أنا كوماري" وما هي "مذّكرات راندا الترانس"، وما هي "هذه ليست سيرة"، ثمّ إنّ الكتاب الجديد ليس بعيداً عن السياسة.

حازم المشغول بالسياسة لا يتصوّر شيئاً تخلو منه بالكامل. جرمين أولى شخصيّاته وهي الّتي "نمت نمواً متفاوتاً" إثر حادث سيّارة، تستخدم كلمات "بورجوازيّة" و"انعزالي" و"وحدوي" بتصرفها هي، ولأنطون نظرة في السياسة إذ يسأل عقب الحديث عن نابليون بونابرت، من كانت أمّه إذ لا يجوز الحكم على شخص دون معرفة أمّه. في قصّة أخرى نصادف الماويين الذين توسّلوا الدخول إلى الجامع المهجور وسيلة لاجتذاب الجمهور إلى عقيدتهم، فكانت النتيجة أن آمنوا وباتوا فعلاً من روّاده. جميل الشيوعي اعتبر خارجاً على حزب العائلة. سعيد الّذي صار أبونا إبراهيم أعان المحامي ثمّ البليونير على الترشح للنيابة. نجيب بلغ من كرهه للإمبريالية أنّه "يراها واقفة أمامه" "تسدّ عليه الطريق". حميد الّذي لمّح له بالترشّح للنيابة واستعدّ لذلك بزيارة العقيد السوري مصطحباً معه إمرأته، استبدل بثريّ من العائلة "لأن زوجته لم تساير العقيد"، ولم يحتفل، كما ينبغي، بذكرى الحركة التصحيحيّة، أما البصلة التي نمت بين سطحين متلاصقين، فجرّت الجارين المتصارعين عليها إلى معركة أودت بالاثنين.

هذه الأمثلة تتناول السياسة في مجراها اليومي وفي تفاصيلها الشعبيّة وفي ممارستها التصنيميّة، وفي ذيولها العائليّة والماليّة وفي ترّهاتها. هكذا تناول لا يخلو من السخرية بل التهكّم من السياسة وعليها. نصل في حرب البصلة إلى تقزيم للسياسة وزراية بها، فحرب البصلة انتقلت إلى الأبناء. هكذا نصل أحياناً إلى ما يشبه النكتة. السياسة في ترّهاتها اليوميّة وعلاقاتها الإجتماعية وعقائديتها العبوديّة باعثة على السخر والتفكه، لكنّ هذا ليس كلّ شيء عند حازم، فثمّة وجه آخر حزين تنقلب إليه مهازل السياسة الّتي ليست فقط قهقهة. إنّها أيضاً نهايات حزينة وخيبات. ثمّة ما يفاجئ في قصص حازم هو الموت الّذي ينتظر ليكون نهاية للسخف الّذي يلمّ أجزاء القصّة. يبدو الموت الذي أخفى جرمين وقاد مروى إلى الانتحار ودفع العربة الّتي جلس عليها جرجي السليق وسبّب قتل أنطون وهو يغني.

لسنا نجد هنا ما يضحك فقط، ففي نسيج الضحك تكمن تلك النهاية القاتلة. إنّه أيضاً الضحك الأسود والفكاهة المرّة. في حين أنّنا نتسلّى بسخف السياسة وبترّهاتها، يظهر لنا أن ّشيئاً من هذا السخف يتجلّى في مصائر لم نتحسّب لها. الفكاهة السوداء، قد يكون الأمر كذلك، لكنّ الموت الذي يضع في كلمات قليلة النهاية الحتمية يبدو كأنّه يسلّم القصّة للقدر يضع عليها ختمه الأخير.

كتاب حازم صاغيّة ليس من نسق واحد، فنحن نشعر أحياناً أن بعض قصصه سير مختصرة، بل نشعر أنّ حازم صاغيّة يوجز في أسطر معدودة حياة كاملة، لكن هذا التنوع يجعلنا، لا نطلّ فقط على أنساق، بل على ما يشبه الأنواع. في البداية هناك ما يقترب من البورتريه القلمي. بورتريه توازن بين المظهر الجسدي وبين الملامح النفسيّة. فنّ البورتريه هذا الذي عدّته ملاحظة قويّة وقدرة على بسط المفارقات من طرفيها أو من أطرافها والموازنة بين عبث الحياة وعبث السياسة، وبين ترهات هذه وتلك. بورتريهات شخصيّة وأخرى اجتماعية، لكن مع ذلك تطلّ من ثناياها مشاهدات ومعايشات شخصيّة، نبقى هكذا على حافّة السيرة إلى أن ننتهي إليها فنقرأ عندها تجارب خاصّة إذ لا يخفي الكاتب أنّه يروي قصّته مع اللوتو الّذي اعتبره أوان يساريته من ذيول الأمبرياليّة، كذلك قصّته مع التدخين وأطباء الأسنان والروائح. هذه جميعها أخبار خاصّة فإذا انتهينا منها وصلنا في "حينما خطفت كميل" و"إله ميشال العادل" إلى القصص المتكاملة.