تعزيزات سورية في البادية.(أرشيف)
تعزيزات سورية في البادية.(أرشيف)
الثلاثاء 20 يونيو 2017 / 20:03

ما قبل إعلان انتهاء الدور الوظيفي لداعش الحالي

لن تشكل غزوات البادية أكثر من رحلات سفاري لصيد داعش في البادية الحجرية (الحماد)، على أمل تهديد نوع داعش بالانقراض، أو تحوله إلى نوع آخر في إطار معركة الألف سنة ضد الإرهاب

في الوقت الضائع بين القصف على الرقة تمهيداً لمعركة قد لا تحدث، وبين وهم معركة قد تدور في البادية، زار وفد عسكري من النظام الأسدي العراق للتنسيق بين النظامين لمنع تسلل مقاتلي داعش عبر الحدود الدولية في الاتجاهين.

على التأكيد، لم تكن هذه الخطوة الأولى من نوعها بين النظامين، لكن التوقيت هذه المرة يمر من باب صعود فكرة أن كيان داعش انتهى، أو اقتربت نهايته.

أما منع تسلل داعش في الاتجاهين فيعني تقسيم داعش إلى داعش سوري، وداعش عراقي، بعد أن ضبطت تركيا حدودها في وجه تنقل داعش على طرفي الحدود السورية التركية، مع انتهاء دوره الوظيفي كعدو للأكراد الذين تخشى منهم أنقرة أكثر من داعش.
في ما يتعلق بالفصل بين داعشي سوريا والعراق، هنالك الثابت الإيراني، كقطبة مخفية في محادثات عسكريي البلدين، إذ تحاول إيران إنشاء جسر بري بين منطقة نفوذها غرب العراق، وبين ما تحاول الوصول إليه في درعا والمنطقة الجنوبية، امتداداً إلى التنف، والبوكمال، لمحاصرة التنظيم في ديرالزور المحافظة، ومن ثم مدينة ديرالزور.

يبلغ طول الحدود السورية العراقية 605 كيلومتراً، وتوجد عليها ثلاثة معابر هي من الشمال إلى الجنوب الغربي: الربيعة (اليعربية)، والقائم (البوكمال)، والوليد (التنف)، أي أن الفاصل بين كل منها، وسطياً، 200 كم، والتسمية الأولى عراقية، والثانية سورية.
لكن العراق الرسمي، وإيران، وطائرات أمريكا وأقمارها الاصطناعية، لم يستطيعوا منع تدفق مقاتلي داعش منذ ربيع 2013، في الاتجاهين، ناهيك عن عجزهم عن القضاء على التنظيم في أي من مناطق سيطرة التنظيم. والواقع أن داعش كان يتنقل بين منطقة وأخرى بأرتال، وليس على شكل ذئاب منفردة.

بالطبع، لن يستخدم داعش المعابر الرسمية، حتى في الفترات التي كان مسيطراً فيها على المعابر، فهو أولاً "يتنقل ضمن أراضي الدولة الإسلامية"، ما يعني أنه غير ملزم بالحدود أصلاً، وثانياً يتنقل بشكل سري، متجنباً استخدام المعابر الرسمية، كي لا يضع مقاتليه كأهداف لطيران التحالف، والطيران العراقي.

أما طيران النظام السوري، وحليفه الطيران الروسي، فلا يجرؤ على الاقتراب من الحدود الدولية منذ سنوات. ولا تشكل الصواريخ التي أعلنت إيران (الأحد) عن إطلاقها على مواقع لداعش في ديرالزور، استثناء، خاصة أن أحداً لا يعرف أين سقطت.

إذاً، كيف سينسق الجانبان العراقي والأسدي كي يمنعا داعش من التسلل؟ ربما تكون الخطوة استراتيجية، أو مستقبلية، على اعتبار أن النظام الأسدي وإيران لايزالان في مرحلة التحضير للسيطرة على درعا، حيث يأمل الطرفان في القضاء على مقاومة الجيش السوري الحر هناك، واستيعاب قوة فصائل الثوار في البادية ما بين الجنوب وتدمر، وصولاً إلى التنف والبوكمال.

لكن هذا المخطط بعيد عن الواقع، حالياً، لأن النظام الأسدي محكوم بتوافق أمريكي روسي لن يحصل لتمرير هذه الاستراتيجية. بل إن هذا التوافق، إنْ حصل، يصب في اتجاه معاكس يعتمد ضمنياً منع أي تمدد إيراني في شرق سوريا يحقق لطهران الوصل بين مناطق نفوذها في غرب بغداد، وما يُفترض أن يتحقق في شرق سوريا.

إذاً، فالممانعة لهذا المسعى الإيراني لا تأتي من داعش، وإنما من أمريكا كعدو، ومن روسيا، التي تحاول توظيف كل الأطراف لمصلحة إغراق أمريكا في فوضى من خيارتها، بما فيهم داعش. أما ما تعتقده أمريكا وضوحاً في خياراتها، فيلحظ تعقيد مهمة روسيا في سوريا، كونها تحاول لعب دور في منطقة لا يملأها النظام السوري، وليس لإيران فيها سوى مساع حظها من النجاح معدوم. وهذا ما يرشح زيارة الوفد العسكري الأسدي للعراق كي تكون مجرد خطوة إعلامية هدفها القول إن "الشرعية" في البلدين تحاول حماية جغرافية البلدين، وسيادتهما، من الانتهاكات، رداً على المشككين في ذلك.

وحتى مع القيمة الصفرية للزيارة، أمامنا شهور، منذ الآن، وربما أسابيع، لاختبار الواقع، حين توشك معركة ديرالزور على الانطلاق، بداية بالتنازع على المناطق النفطية في المحافظة، ومن ثم التنازع على الأحياء التي يسيطر عليها النظام بالقرب من مطار ديرالزور العسكري.

فالواقع الحالي يقول إن المخابرات الصانعة لداعش، والراعية لظاهرته الإعلامية، والمبرمجة لمسلسل حروبه وغزواته، والحروب عليه، وكأنها أطلقته ثم بدأت في ملاحقته.

أما الواقع المتخيل فيبدو افتراضياً لناحية ملاحقة داعش في منطقة غير متعينة جغرافياً في شرق سوريا، وفي فضاء لا يملأه الجيش السوري الحر المدعوم أمريكياً هناك، خلافاً لدعم واشنطن للأكراد في مناطق الجزيرة العليا، والرقة، أي في مدن وبلدات وقرى يحتلها داعش، أو كان يحتلها.

وباستثناء معركة ديرالزور القادمة قريباً، كضرورة لم تتفق أمريكا وروسيا على عناصرها، وعلى الأطراف التي ستشترك فيها، وبعد تراجع زخم معركة الموصل في نهايتها، و"لا معركة" الرقة التي ستقترب من صيغة "تسليم واستلام" بعد تطويق الرقة من جهاتها الأربع، لن تشكل غزوات البادية أكثر من رحلات سفاري لصيد داعش في البادية الحجرية (الحماد)، على أمل تهديد نوع داعش بالانقراض، أو تحوله إلى نوع آخر في إطار معركة الألف سنة ضد الإرهاب.