آليات أمريكية في سوريا على الحدود مع تركيا.(أرشيف)
آليات أمريكية في سوريا على الحدود مع تركيا.(أرشيف)
الجمعة 23 يونيو 2017 / 13:44

مرحلة جديدة في سوريا.. أمريكا أمام 3 خيارات

حاولت الولايات المتحدة منذ بدأت الضربات الجوية ضد داعش في سوريا خلال عام 2014 البقاء بعيدة عن الحرب الأهلية الدائرة بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية والأطراف التابعة للحلفاء الأجانب، ولكن تلك الاستراتيجية لم تعد ممكنة حالياً، وقد نفذت سلسلة غير مسبوقة من الهجمات ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية الداعمة للنظام خلال الأسابيع الأخيرة.

لا يمكن أن تلتزم الولايات المتحدة بالحياد إزاء استيلاء إيران والنظام السوري على المناطق الإستراتيجية والموارد الحيوية

 ويلفت فيصل عيتاني، الباحث بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لأتلانتيك كاونسيل، بمقال نشرته مجلة ذا اتلانتك الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة في حربها بسوريا، وإذا أصرت على تدمير داعش، فإنها ستواجه خياراً صعباً ما بين تطبيق سياسة طموحة أكثر خطورة، وبين قبول التضحيات التي من شأنها أن تقلل من مخاطر التصعيد مع إيران ونظام الأسد ولكنها ربما تهدد مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.

مرحلة جديدة

وبحسب الباحث، انطلقت شرارة هذه المرحلة الجديدة من خلال سلسلة الهجمات الأمريكية على القوات المدعومة من إيران في شرق سوريا؛ إذ قامت تلك القوات بتهديد المقاتلين السوريين المسلحين والمدربين من قبل الولايات المتحدة لمحاربة داعش. وفي شهر واحد فقط، ضربت الولايات المتحدة القوات البرية الموالية للنظام وأسقطت طائرتين إيرانيتين بدون طيار، فضلاً عن إسقاط مقاتلة للنظام السوري.

وشير الباحث إلى أن الولايات المتحدة، في استراتيجيتها لدحر داعش في سوريا من خلال القوات المحلية، عمدت إلى شن هذه الحرب لسنوات من دون إطلاق رصاصة واحدة ضد نظام الأسد أو حلفائه المدعومين من إيران. وكان الأسد وإيران يتجنبان استهداف قوات مقاتلة داعش المدعومة من الولايات المتحدة (ولكن هذا الأمر لم ينطبق على قوات المعارضة السورية المدعومة سراً من قبل الولايات المتحدة لمحاربة نظام الأسد).

تغير جغرافيا الحرب
ويرى الباحث أن تغير نهج الولايات المتحدة مؤخراً يرجع إلى عدة أسباب أبرزها جغرافيا الحرب؛ فعندما كان داعش يستولي على ما يقرب من ثلث سوريا، كان باستطاعة وكلاء الولايات المتحدة محاربة داعش والحفاظ على مسافة بينهم وبين قوات الأسد؛ إذ تقع معاقل داعش الرئيسية في الجانب الآخر من البلاد، ولكن الآن تعمل قوات متعادية على استعادة الأراضي من داعش، من مختلف الاتجاهات وذلك في مناطق مجاورة.

وقبل أن يسفر التدخل العسكري الروسي عام 2015 عن قلب موازين الحرب لصالح الأسد، كان النظام السوري وحليفته إيران منشغلين إلى حد كبير بإحتواء المعارضة في غرب سوريا وتأمين بقاء نظام الأسد، ولكن بعد السيطرة على المعارضة بسقوط مدينة حلب، أكبر معقل حضري للمعارضة، في نهاية عام 2016، بات من الممكن استخدام الموارد في الحرب ضد داعش (والقوات المدعومة من الولايات المتحدة التي استعادت أراضي داعش).

التصعيد مع إيران
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب تبدو أكثر استعداداً للمخاطرة بالتصعيد ضد إيران في سوريا سعياً لتحقيق أهدافها، فإن السبب الأعمق لتنامي المواجهة يعود، برأي الباحث، إلى طبيعة الحرب نفسها؛ ذلك أن إدارة أوباما عندما شنت هجماتها ضد داعش كانت ترغب في تجنب التورط في الحرب الأهلية السورية ومواجهة مخاطر التصعيد مع إيران، بيد أن هذه الإستراتيجية غير قابلة للاستمرارية على أرض الواقع؛ لأن كلاً من الأسد وإيران لا يعتبران الحرب ضد داعش منفصلة عن الحرب الأهلية، وما تشهده سوريا هو صراع على أراضيها ومواردها وهويتها، وداعش هو أحد المتسابقين في هذا الصراع، ومن ثم فإن الأسد وحليفته إيران لن يسمحا للفصائل المتحاربة الأخرى بالسيطرة على الأراضي التي يفقدها داعش.

الموارد الإستراتيجية على المحك
ويشير الباحث إلى أن بعض المناطق في سوريا تنطوي على مميزات أكبر من غيرها، ومع احتشاد قوات نظام الأسد والقوات المدعومة من الولايات المتحدة على وادي نهر الفرات، الذي يهيمن عليه داعش في شرق سوريا، فإن الموارد الاستراتيجية مثل احتياطات النفط والأراضي الصالحة للزراعة والمياه والحدود السورية العراقية باتت الآن على المحك؛ وبخاصة لأن الأسد وإيران لن يسمحا بسقوط تلك الموارد في أيدي القوات المدعومة أمريكياً وهو ما يشكل تهديداً دائما لنظام الأسد ويحرمه من الموارد الحيوية ويهدد العمق الإستراتيجي لإيران وخط إمدادات حزب الله في لبنان. وإلى ذلك، سيحاول الأسد وإيران الوصول إلى تلك المناطق واستعادتها من داعش قبل وصول الولايات المتحدة وحلفائها إليها، أو استهدافها من جديد عقب تحقيق الولايات المتحدة لمصلحتها بهزيمة داعش.

ويعتبر الباحث أن الولايات المتحدة في واقع الأمر كانت دائماً طرفاً في الحرب الأهلية السورية من خلال حربها على داعش. ففي بعض الأحيان كانت الجهود الأمريكية تسفر عن توفير موارد النظام لاستخدامها ضد جماعات المعارضة بدلاً من محاربة داعش، ومن ناحية أخرى قادت تلك الجهود إلى تمكين الأكراد المحليين وشركائهم العرب من السيطرة على الأراضي والموارد المحورية بالنسبة للنظام السوري وإيران.

خيارات صعبة
ويضيف الباحث: "لم يعد ممكناً أن تتجنب الولايات المتحدة الخيارات التي تطرحها هذه الاستراتيجية وأولها: التخلي عن الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش لصالح النظام السوري وإيران آجلاً أو عاجلاً، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها حالياً شركاء الولايات المتحدة، وثانيها: مواجهة تحديات إيران والنظام السوري من خلال الردع والعنف، وثالثها: الاستثمار طويل الأمد في الشركاء المحليين للدفاع عن أراضيهم إلى أجل غير مسمى. ويبدو أن الإدارة الأمريكية لم تعمد إلى اختيار سياسة حتى الآن، بيد أن الأحداث على الأرض تتصاعد بشكل كبير".

ويختتم الباحث بأن المزيد من المواجهات بين التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة وإيران ليست ممكنة فحسب وإنما تحدث بالفعل؛ إذ لا يمكن أن تلتزم الولايات المتحدة بالحياد إزاء استيلاء إيران والنظام السوري على المناطق الإستراتيجية والموارد الحيوية، وبينما تتجنب روسيا المواجهة فإنها غير قادرة على كبح جماح حلفائها (وربما لا تتوافر لديها الرغبة في ذلك). ولا يبدو أن الولايات المتحدة قد حسمت أمرها في ما إذا كان محاربة داعش فقط لتمكين إيران والأسد سيكون مفيداً، أو ما إذا كان هناك وسيلة ممكنة، بكلفة مقبولة، لدحر داعش من دون تعزيز خصوم الولايات المتحدة. بيد أن الأمر المؤكد الآن أنه لا يمكن اختيار محاربة داعش فقط وتجاهل الحرب الأهلية في سوريا.