ملصق لفيلم "المرأة الخارقة".(أرشيف)
ملصق لفيلم "المرأة الخارقة".(أرشيف)
الجمعة 23 يونيو 2017 / 21:07

المرأة المعجزة

الرعب الحقيقي يجب أن يكون ممن يباركون الحجب والحظر، وتضج تدويناتهم بالمطالب بأن يُمنع الفيلم في أوطانهم أسوة بلبنان

في شهر ينشغل خلاله معظمنا بشاشات التلفاز، اتخذ لبنان قراره بمنع فيلم "ووندر وومان" من صالات السينما بسبب انتماء بطلته جال جادوت إلى الكيان الصهيوني، وخدمتها في جيشه. وعند موعد نشر هذا المقال، ربما تكون الأردن قد لحقت به في منعه -بحسب ادعاءات الإعلام الإسرائيلي-.

لقد وثبت مع ملايين المصفقين إعجاباً وتأييداً للخبر، إلا أني سرعان ما انكمشت في مقعدي، ودسست يدي شكاً وتراجعاً، وكأنما تنبّهت إلى وجود مشهد محذوف لم أضعه في الحسبان قبل أن أتمنى أن تحذو دور العرض في بلادي حذو لبنان.

فقبل أقل من شهر من الضجة التي أثارتها "المرأة المعجزة" –أعجزها الله-، سخر فرع إسرائيل لشركة "بيتزا هت" من إضراب الكرامة الذي قاده الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال. وعلى الرغم من أن الاعتذار جاء فوريا ًعن الإعلان، كما تم إنهاء التعاقد مع شركة الإعلانات المسؤولة، إلا أن شعوبنا أصرت على المقاطعة.

لم تُغلق المئات من أفرع "بيتزا هت" من حولنا، لم تُطفأ الأفران لتُحرم من إنتاج أياً ما كانت تدّعي إنتاجه، لم تُمزق إطارات الدراجات التي تقوم بتوصيل الوجبات. بل اكتفينا بوسم في مواقع التواصل الاجتماعي يدعو للمقاطعة، والتزمنا بها طوعاً. حتى أننا لم نعني أنفسنا بإجمالي الخسائر التي ألحقناها بالشركة، وبما إذا كنا نسدد لها ضربة مالية موجعة؛ لقد عقدنا العزم على تسجيل موقف، ففعلنا.

فلم أصبحنا فجأة نناشد بأن نُمنع –حرفياً- عن دعم الصهاينة بأموالنا؟ ولم بتنا ننادي بأن نُكره ونُرغم على اتخاذ موقف ضدهم، وأن نُسيّر قسراً إلى الصواب، والقرار الأكثر أخلاقية؟ هل كانت بضعة أسابيع، وتحوّل "العدو" إلى فيلم سينمائي بمؤثرات بصرية وصوتية مبهرة، كفيلة بجعلنا كالأطفال الذين أفسدهم الدلال والرفاهية، عاجزين تماماً عن الوقوف في طوابير التمنّع والرفض؟

من البديهي أن يتخوّف البعض من المساعي الرسمية لمنع عرض "ووندر وومان"، وأن يعتبر فيها تضييقاً مقلقاً على خياراته الترفيهية، حتى ولو لم يكن في عنقه بيعة لجادوت، أو في قلبه هيام بالتطبيع.

ولكن الرعب الحقيقي يجب أن يكون ممن يباركون الحجب والحظر، وتضج تدويناتهم بالمطالب بأن يُمنع الفيلم في أوطانهم أسوة بلبنان. فهم كأنما يعترفون بأنهم فاقدون للسيطرة، منعدمون للإرادة، خائرون للقوى، مُميّعون للقيم، لا يقوون حتى على مقاومة إغراء تخدير عقولهم لـ140 دقيقة يحشون خلالها أفواههم الفاغرة بالفشار والكولا.

إنهم حتى لا يدركون نشوة أن يتمتعوا بحرية الاصطفاف في شباك التذاكر الذي يريدون، فيختارون بكل إصرار ألا ينفقوا دراهمهم على تلك التي تؤذينا باستعراض صهيونيتها المقززة.

فاتنا الدرس في هذه المرة، ولكن مثل كل المخلصين في كراهيتهم واشمئزازهم وعدائهم، لنترقب الأجزاء الجديدة من الفيلم، لعلنا حتى ذلك الحين ندرك بأن سلاح المقاطعة والإفلاس والإفشال هو الأجدى ضد هذه المرأة المُعجزة.