السبت 24 يونيو 2017 / 10:19

محاولات لتغيير ثوابت النظام العربي

الحياة - محمد عبدالعزيز منير

تشير التطورات الجارية في منطقة الخليج العربي إلى مجموعة من الشواهد في شأن محاولات مكثفة لتغيير ثوابت النظام العربي، أبرز هذه الشواهد، إعلاء دولة بعينها علاقاتها بالقوى الإقليمية على حساب النظام العربي، ما يفتح المجال لإحداث خلخلة مستديمة لثوابت هذا النظام، صحيح أن النظام العربي الآن يخوض تحديات كاشفة، إلا أن الإغراق في حالة التحدي ومحاولة الالتفاف على المصالح الخليجية بخاصة والعربية عموماً، ينبئ برغبة هذه العاصمة الخليجية الصغيرة في نقل التوتر الحالي إلى مستويات أعمق تأثيراً، يطلق على هذا النوع من السياسات، السياسة الأكثر كلفة، وتستحق الدولة هذا التوصيف عندما تلجأ إلى تعقيد ما تمر به من مشكلات عبر الالتفاف على المشكلة بدلاً من محاولة حلها، وتنتج من هذه السياسة عادة أزمات متوالية غير قابلة للحل، إن دخول الدولة في حالة من الإنكار يعد مؤشراً خطيراً إلى صعوبة التحكم في منحنى الأزمة بسبب غياب الإرادة السياسية للاعتراف بمسببات الأزمة ذاتها، إن أولى خطوات الحل تنشأ عن إدراك الدولة وجود أزمة، واستعدادها لحصر هذه الأزمة في نطاق ضيق، ثم تأسيس حوار مع الأطراف الأخرى للوصول إلى حل مستديم.

تشير مجريات الأمور إلى أن هذه العاصمة الخليجية الصغيرة تحاول التعامل مع الوضع الحالي بمنطق التجاهل أولاً ثم بمنطق الاستعلاء ثانياً، وذلك من خلال تكثيف قنوات الاتصال بقوى إقليمية على أمل تخفيف الضغوط، والإيحاء بأن هذه القوى قادرة على موازنة الثقل الخليجي وتوفير بدائل لما خسرته هذه الدولة فعلاً نتيجة سياساتها، وعلى مستوى آخر، تبذل هذه الدولة كل ما في وسعها لحشد تأييد إعلامي في وسائل الإعلام الدولية والعربية لموقفها، من خلال استخدام رصيدها الإعلامي مقروناً بموارد مالية هائلة للتأثير في الرأي العام الدولي والعربي على السواء، على اعتبار أن وسائل الإعلام قادرة أحياناً على توجيه الرأي العام.

ما تنبغي الإشارة إليه في هذه النقطة تحديداً، عدم قدرة وسائل الإعلام التابعة لهذه الدولة على المضي قدماً في سياسات التشويش والإلهاء ومحاولة تغيير الواقع، لأن الصورة اكتملت، واتضحت نتائج السياسات التي مارستها على مدى عقدين، بحيث أصبح تدخلها في أي من القضايا الإقليمية في مثابة صب الزيت على النار، لقد أصبح المواطن العادي قادراً على التمييز بين الإعلام الذي يغطي الأحداث، وذلك الذي يستخدم خلطة قوامها القليل من الحقائق والكثير من الأكاذيب بهدف تحقيق أهداف مرسومة بدقة صيغت خططها خارج المنطقة العربية، وأوكل التنفيذ لأطراف عدة من بينها – للأسف - طرف عربي يظن أن علو القامة لا يتأتى إلا بمحاولة تقزيم الآخرين.

تقتضي الواقعية السياسية بإدراك الدولة وزنها الإقليمي ومحاولة ممارسة دور يتناسب مع هذا الوزن، هناك نماذج محدودة لدول استطاعت ممارسة دور إقليمي يتجاوز قليلاً إمكاناتها الفعلية، وأسباب ذلك ترجع عادة إلى توافر عوامل استثنائية مثل الكاريزما السياسية أو اتباع سياسة الحياد، ما يمكن الدولة من ممارسة دور الوسيط الإيجابي، إلا أن هذه النماذج تظل دائماً استثناءً محضاً لا يمكن التعويل عليه.