السبت 24 يونيو 2017 / 21:31

إنهم يريدون أن يحكمنا الأتراك!

في تغريدة للإخواني الكويتي حاكم المطيري، كتب: "بعد انهيار المشرق العربي أمام الغزو الخارجي والتداعي الأممي وعجز دوله عن حمايته، يصبح التدخل التركي لإنقاذ شعوبه مسئولية إسلامية تاريخية كبرى". كُتبت هذه التغريدة في صفحة حاكم في يوم 17 يونيو 2017، ثم حُذفت. بالنسبة لحاكم فإن هذه التبشير بعودة العثماني وهذا التعبير عن للخضوع للتركي، لا يمكن اعتباره إلا طعنة نجلاء لكل دعواته للحرية في كتاب "الحرية أو الطوفان" رغم اختلافنا مع ما جاء في ذلك الكتاب جملة وتفصيلاً.

وبلا شك سيزيد الاختلاف والتمايز اليوم، مع هذا الوضوح الغريب الذي يسري في هذه الأيام. لقد اتضحت الأمور، ولم تعد تحتاج إلى كثرة ضجيج، ولا مراوغات، ولا دفاع غير مبرر، كل ما يحتاجه العربي اليوم هو أن ينحاز وأن يختار، بعد أن عرف بوضوح من أي الفريقين هو. لقد بات جلياً، ليس للنخب، بل لكل من له عينان، أن المملكة والإمارات ومصر والبحرين والكويت، تمثل خطاً سياسياً يسعى لاستعادة السلم الاجتماعي في المنطقة العربية، بينما تسعى تركيا وإيران وقطر والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لتثوير المنطقة وإشعالها ناراً تأكل ما تبقى من الأخضر وتفتت ما تبقى من اليابس. في الوقت نفسه هناك توجه تركي – قطري – إخواني لاستعادة الخلافة العثمانية من جديد. هذا ما يريدونه ولا أدري أي خلافة وأي تاريخ يريد استرجاعه هؤلاء، فكثير من سلاطين بني عثمان لم يحجوا للبيت العتيق قط، والتاريخ لم يدون للأتراك في كل مكان ذهبوا إليه، في بلاد المسلمين وغير المسلمين، إلا إجلاس الأسير على الخازوق حتى يموت مائة مرة قبل أن يموت، واغتصاب النساء، مسلمات وغير مسلمات.

قبلها بأيام استقبلنا في المملكة دعوة غريبة من الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، مفادها أنه يقترح فتح الباب لقيام قاعدة عسكرية تركية في المملكة، يبدو أن الخطاب كان موجهاً لدولة مجاورة وأخطأ ساعي البريد في الوصول إلى العنوان الصحيح، أو شيء من هذا القبيل.

على كل حال، هو طلب غريب ووقح في نفس الوقت، ولذلك جاء رد مليكنا الشجاع الحكيم سلمان بن عبد العزيز بأن "الرياض ليست بحاجة إلى ذلك، وأن قواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، وأن لها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك طائراتنا الحربية التي ترابط في قاعدة أنجرليك التركية للمساعدة في مكافحة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة". معنى هذا الرد أن المملكة في غنى عنكم وعن حمايتكم، ووضعها السياسي والاقتصادي أحسن من وضعكم، فأنتم من تُعانون وليس نحن، وأننا نحن من يقدم لكم العون والمساعدة، وليس العكس، وقد فعلنا ذلك في أكثر من مناسبة. هذا الرد الدبلوماسي الأنيق لم يُرض الأتراك، بل اعتبروه إهانة، فجاءت هجمة مرتدة في الصحف التركية، رفعت شعار " إن مشكلاتنا مع السعودية أكبر من مشكلاتنا مع إسرائيل".

هذا الشعار ينقسم إلى قسمين ويحوي معلومتين. الأولى: أن لدى تركيا مشكلات مع السعودية. هذه قضية قد تبدو مبهمة بعض الشيء، ليس لأننا لا نملك المعلومات، وإنما لأننا نريد من المسئولين الأتراك، لا الصحافة التركية، أن يبادروا هم ويخبروننا عن أي نوع من المشاكل يتحدثون، حتى نعرف كيف نرد.

الثانية : يزعم هذا الشعار، أن تركيا لديها مشاكل مع إسرائيل! ولا أدري كيف يُقال أن بينهما مشاكل برغم أن التطبيع قائم بين الدولتين منذ يونيو 1992 ولم يزدد مع مجيء أردوغان إلا ترسخاً وتعمقاً. لقد كانت البداية مجرد توقيع معاهدة لتسهيل السياحة بين البلدين، ثم تطورت إلى تأييد إسرائيل لتركيا وتزكيتها أمام الولايات المتحدة لتحصل على دعم لتمرير أنابيب النفط من بحر قزوين إلى ميناء الاسكندرون، وتوسعت فيما بعد لتشمل الانتاج العسكري ونقل التكنولوجيا.

لا بد أن نقول إنه قد حدثت بين تركيا وإسرائيل أزمتان، الأولى عندما انسحب أردوغان من مؤتمر دافوس احتجاجاً على حصار غزة 2008 تلك الحركة المسرحية التي صفقت لها قناة الجزيرة في قطر بحيث اعتبرتها أكبر هزة وقعت في دافوس! العرب شعب عاطفي تغلب عاطفته عقله، هذا إن وجد هذا العقل. ثم توترت العلاقات بين تركيا وإسرائيل مرة أخرى في 2010، بعد مهاجمة البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية المتجه إلى غزة وقتلها لتسعة مواطنين أتراك.

إلا أن كاتب هذه السطور، لم يجد منذ ذلك التاريخ 2010 وحتى لحظة كتابة هذه المقالة، ما يدل على أدنى تأثر للعلاقات الاقتصادية والتعاون العسكري بين البلدين. هذا ليس نفياً لمجرد عدم ورود أنباء تدل على الإثبات، بل قد وردت تقارير كثيرة تثبت العكس، وأن هذه الخلافات التي تدور على سطح المشهد لم تؤثر على علاقات التعاون بين تركيا وإسرائيل في مجالات عدة، خاصة في المجالين الاقتصادي والعسكري، وأن كل تلك الخلافات كانت مسرحيات كلامية، وكأن أردوغان قد أخذ الإذن من إسرائيل لممارسة هوايته كممثل مسرحي، وإسرائيل قد قررت منذ زمن، أن تترك له هذه المساحة.

كل هذا الحديث عن الخصومة مع إسرائيل ليس سوى كلام في كلام. فقد عاد أردوغان وفضح نفسه عندما نقلت الصحف الإسرائيلية والتركية عنه عند عودته من زيارة تركمانستان: "إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل أمر ممكن إذا تمكن الطرفان من التوصل لاتفاق؛ لتعويض ضحايا سفينة مرمرة، وإذا ما رفعت إسرائيل الحصار عن الفلسطينيين". حسناً، ماذا ستفعل إذا لم يرفع الحصار؟ لا شيء. لن يتغير شيء في حال الرفع وعدم الرفع. لقد كان التطبيع قائماً في لحظتها وقبلها وبعدها، ولم تكن هذه شروطاً لشيء على الإطلاق، إلا في أذهان السذج الذي فهموا أن في الأمر " خيرٌ لفلسطين"!.

وبرغم كل هذه المعارك الكلامية التي تُفرح من ينخدعون بالشعارات من العرب والأتراك، إلا أن التقرير السنوي لوزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية يصف التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل بأنه يتصاعد في كل سنة، والعلاقات التجارية بين البلدين وصلت إلى ذروة جديدة، وتضاعفت في فترة ما بعد أزمة 2010، وتجاوزت 5.5 مليار دولار، ونمت التجارة التركية الإسرائيلية بنسبة 19% منذ عام 2009. وتشير المعطيات إلى أن الاستيراد التركي من إسرائيل ارتفع من 1.4 مليار دولار عام 2010 إلى ذروة غير مسبوقة بلغت مليارين في عام 2012، كما ازداد التصدير التركي لإسرائيل من ملياري دولار عام 2010 إلى 2.4 مليار عام 2011.

أما على الصعيد العسكري، فلم تؤثر حركات أردوغان المسرحية على العلاقات الإسرائيلية التركية، أدنى تأثير، ولم تمنع من متابعة المفاوضات والاتفاق على بيع إسرائيل القمر الصناعي (أفق) لتركيا، ونظام الدفاع الجوي (أرو)المضاد للصواريخ، كما أنه في عام 2010 زار وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك تركيا، ووقع اتفاقية عسكرية تقضي بحصول تركيا على عدة أنظمة متطوِّرة في مجال الطيران، وتبلغ قيمة العقد 141 مليون دولار. ولو لم يكن أردوغان "ثقة .. ثقة" بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية لما تركته يملك هذه الأنظمة المتطورة. لقد حدث كل هذا رغم "التوتر السياسي الكلامي بينهما" ولم يتأثر بذلك التوتر إلا بعض العرب الذين فغروا أفواههم إعجاباً بهذا الأردوغان، فعادوا من جديد لجلد الذات.

إسرائيل لم تتضرر من أردوغان. الذين تضرروا منه فعلاً هم العرب السنة في سوريا، في الرقة وحلب وغيرهما، أولئك هم الذين أجلسهم أردوغان على الخازوق التركي، عندما تعهد لهم بأن سيحميهم بجيش "الخلافة" المزعوم، من نظام الأسد، ثم اتضح أن أردوغان ليس سوى "بياع كلام". لقد سلم من شعاراته كل أهل سوريا من الدروز والمسيحيين والعلويين والأرمن والأكراد الذين استعصوا على الدعشنة، وهلك من العرب السنة من اجترتهم الشعارات.

لم تجن سوريا من تركيا خيراً، وحتى من تستضيفهم تركيا من اللاجئين السوريين، كلنا نعرف أن من ينفق عليهم هي المملكة وأخواتها دول الخليج، وهذه قضية أخرى استغلها أردوغان، فهو يقبض ثمن الاستضافة ويهدد أوربا بطوفان المهاجرين السوريين، يقف هو دونه كسد منيع، ويقدم خدمة عظيمة لأوربا تستحق المكافأة. ثم بعد كل هذا، يأتيك من يصدّق وترتفع عقيرته باكياً: "اجعلوا هذا الأردوغان خليفة للمسلمين، إلا ترون غيرته على الإسلام!"

هناك أناس لديهم قدرة على أن يبيعوا الهواء على السذج من الناس، وهناك دائماً من يشتري أي شيء يباع، هواء أو هراء أو غيره. أما حاكم المطيري، فليس من السذج، بل يعي جيداً أنه هو وحزبه، الإخوان المسلمون، قد اختاروا الخضوع الذليل للأتراك، بينما اختار بقية أهل الخليج أن يسلوا سيوفهم مع سلمان بن عبد العزيز نحو طريق الخلاص، وما دام أن الرجل يقاتل مع أهله وينحاز لأهله، فلا بأس عليه ولا ملامة في جميع الأحوال ومهما كانت النتائج.