الروائي حنيف قريشي.(أرشيف)
الروائي حنيف قريشي.(أرشيف)
الإثنين 26 يونيو 2017 / 21:03

حنيف قريشي.. ما بعد الرواية

لانزال نتعجّب من أن يروى هذا العدد من الصفحات، وهذا العدد من الحيوات والأشخاص والأجيال، بهذا السرد الحميمي بحيث لا يغيب عنّا أنّه بلسان متكلم فرد

حنيف قريشي أحد المع كتّاب الإنجليزية اليوم. ليس وحده في هذا السياق، إنّه فيه مع نفر من الكتاب الذين تدلّ أسماؤهم على أصولهم غير الإنجليزيّة، الهنديّة والباكستانيّة والصوماليّة واليابانيّة. حنيف قريشي الشاعر والروائيّ والسينمائيّ هو أيضاً صاحب روايات ذائعة. رائعته "بوذا الضواحي" تحولّت إلى مسلسل شهير. "ثمّة ما أقول لكم" روايته التي نيفّت على سبعمائة صفحة نقلها إلى العربيّة ناجي رشوان ومن حقه علينا أن نقول أنّ ترجمته جيّدة، وأنّ قراءة ما يتعدى السبعمائة صفحة مرّت بسلاسة فصلاً بعد فصل، ومن الصعب بمكان أن نلخصّها فهذا العدد من الصفحات لم يكن عبثاً ولا اعتباطاً. فالرواية التي غطّت هذا العدد كان في وسعها أن تفيض عنه وأن تتسع أكثر مما اتسّعت، فهي ببساطة عالم وتنتشر على عالم. لن نقول أنّه عالم الهنود في لندن. هذه الصفة، وإن صحّت لا تختصر الرواية. ثمّة في دراميتها وجدلها ما يوحي بأننا في قلب ملحمة، وأن ما يصادفه أبطالها الذين يتوزعون على ثلاثة أجيال، لا ينحصر بمشاكلهم الإثنيّة ولا ينتمي بالضرورة إلى تغرّبهم. بل نحن ننسى هذه الصفة في بعض مواضع السياق، ثمّ أنّنا لا نملك أن نردّ الرواية الفسيحة إلى هذا الأصل، وإن بدا لتردده وعمومه ذا مغزى، فالمؤكّد أنّ الرواية لم تجمع هذا العدد من الباكستانيين والهنود، ولم تتفرّع في أجيالهم ولم تلحقهم من لندن حتّى الهند وباكستان فالولايات المتحّدة، لم تفعل الرواية هذا مصادفة، ولكن شاءت بالتأكيد أن تصوّر الإنسان في يتمه واغترابه.

الرواية لا تنحدّ بموضوع أو حكاية أو شخص، رغم أنها بلسان شخص واحد، لم يعش كلّ تفاصيلها ولم يخض في كلّ أجزائها لكنّه، على كلّ حال، راويتها ويرويها بتبسّط، لا نزال معه نظنّ أنّ هذه سيرته، إلى أن نبدأ في الشكّ في أن تكون هذه الحيوات، المتعددة والمتوزّعة، لشخص واحد. لكننا لانزال نتعجّب من أن يروى هذا العدد من الصفحات، وهذا العدد من الحيوات والأشخاص والأجيال، بهذا السرد الحميمي بحيث لا يغيب عنّا أنّه بلسان متكلم فرد. الراوي لا يروي حكايته وهو ينتقل من كونه مريضاً نفسياً إلى دارس للنفسانيّة فمحلل نفسي. كلّ هذا تصاحبه حياة عاطفيّة لاتخلو من اضطراب وهوامش كالمخدرات. لكن حياة المحلل النفسي ليست كل شىء، فهناك صداقاته ولكلّ منها قصّته، وهناك غراميّاته التي تصل به واحدة منها إلى القتل الذي لا يزال يلاحقه في داخله ليعود فيطوّقه. هناك أيضاً قصص كلّ من يتصّل به من هذه الروابط الشعيريّة ومن تقاطع الحيوات التي تشمل مجتمعاً كاملاً أو شريحة اجتماعيّة، على الأقلّ.

كلّ هذا على مسطّح واحد، القصص تتعالق، لكنّها لا تولد من بعضها البعض ولا تنبني على شكل عمودي، أي أنّها لاتندمج ولا تتصاعد ولا تنشبك. إنّها فقط متجاورة متحاذية وليس هناك من قاعدة لتراتبها.هي لا تنتظم تبعاً لأيّ مقياس أو معيار، لا تنتظم تبعاً لتواليها في الزمان أو المكان، ننتقل بين حيوات الأبناء والآباء والأحفاد ونقفز من لندن إلى باكستان فالولايات المتحّدة، وطبعاً مرورا بلندن جيئة وذهاباً فلندن هي المركز الرئيسي. وبالطبع هناك كلّ هذا المزيج الذي هو العصر، هناك موسيقى أجيال وأزياء أجيال وإتنيّات، وهناك عادات تنتقل من جيل إلى جيل ومن بلد إلى بلد. هذه الجماعات التي انتقلت من الهند إلى إنجلترا وتوزّعت من هناك في العالم، بات لها تاريخ ومراحل وأجيال، بالطبع في علاقتها مع مجتمعات اللجوء وما تبقّى من علاقات مع بلدان المنشأ. إننا هكذا أمام ملحمة اللجوء وأمام تقلّب الأحوال لجماعة كاملة. أمام عصر يمرّ عليها وعلى محيطها نحن أمام روائيّ باهر، لكنّنا أيضاً أمام ثقافة عصر ايضاً.

المحلل النفسي ينتقل من فرويد إلى تلاميذه. إلى منتقديه إلى تجليات الفرويديّة الراهنة كتجربة لاكان .هذا وجه لثقافة مرحلة.