الثلاثاء 27 يونيو 2017 / 08:59

مغالطات الأزمة القطرية

د. أحمد يوسف أحمد- الاتحاد

منذ تفجرت الأزمة الراهنة مع النظام القطري، ونحن نرصد مغالطات في تحليل الأزمة وتكييفها يستخف أصحابها بعقولنا ويتصورون أنه من من الممكن لهذه المغالطات أن تساعدهم على إخفاء مواقفهم المشبوهة، أو على الأقل الغامضة من الأزمة، وأسوق فيما يلي اثنتين من هذه المغالطات، لعلي أناقش بقيتها في مقالة قادمة.

وقد ظهرت المغالطة الأولى بمجرد تفجر الأزمة ومفادها أن الدول التي بادرت باتخاذ إجراءات جادة وصارمة لمواجهة ممارسات النظام القطري لم تفعل ذلك إلا بعد أن حصلت على الضوء الأخضر الأمريكي، وأن كل شيء قد تم الترتيب له في قمة الرياض الأخيرة بإيعاز من الرئيس الأمريكي! وصفق أصحاب هذه المغالطة طرباً عندما بدأ الرجل يدلي بتصريحات يُفهم منها رضاؤه عن الإجراءات التي اتُخذت وكيف أنها ليست سوى نتيجة سريعة لاجتماعه مع زعماء الدول الإسلامية في الرياض، وأن للنظام القطري تاريخاً طويلاً في دعم الإرهاب. وهكذا اكتملت المغالطة وأصبحت الدول التي تصدت بشجاعة لممارسات أقل ما توصف به أنها داعمة للإرهاب وعامل أساسي من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة موضع اتهام بأنها لا تعدو أن تكون ألعوبة بيد الرئيس الأمريكي! غير أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يفضح المغالطين، فإذا بالموقف الأمريكي من الأزمة يتخبط على نحو مثير للكثير من علامات الاستفهام.

فبينما لم يتراجع الرئيس الأمريكي عن مواقفه، وإن أدلى من حين لآخر كعادته بتصريحات لا تتسق بالضرورة مع هذه المواقف، تبارت "المؤسسة" الأمريكية في الإعلان عن مواقف تعزز سوء الظن بها، فتحدث أركانها عن رغبتهم في "وحدة الخليج واستقراره"، وكأن المهدد الأساسي لهذه الوحدة وذاك الاستقرار ليس سوى ممارسات النظام القطري ذاتها! وأخيراً "أدهشتنا" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بدهشتها من أن الدول المقاطعة للنظام القطري لم تحدد حتى إدلائها بتصريحاتها مطالبها من هذا النظام، وكأنها لا تعرف أن ممارساته التخريبية منذ سنوات أفضت إلى خلافات ترتب عليها اتفاق في 2013 لم يلتزم به، فسحبت ثلاث دول خليجية سفراءها من الدوحة، ثم تم تجاوز الأزمة في 2014 بالتزامات وتعهدات محددة لم يفِ بها النظام القطري، بل لقد صعد من ممارساته كما أوضحت التطورات اللاحقة. وهو ما كان يجب أن يسبب دهشة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وليس ما أسمته التأخر في تقديم الدول المقاطعة لقطر لائحة مطالبها! غير أن الأعجب من هذا كله أن هذه المغالطة الأولى قد تولدت عنها مغالطة "فرعية" بدأت تروج لها دوائر إعلامية مشبوهة وهي أن المطالب التي تقدمت بها الدول المقاطعة تُعد تدخلاً في الشؤون الداخلية القطرية، وكأن النظام القطري ليس هو الذي بادر منذ سنوات طويلة بممارسات تنضح بالتدخلات السافرة في الشؤون الداخلية لعديد من الدول العربية!


أما المغالطة الثانية، فتتعلق بمحاولة تكييف الأزمة على أن لها بعداً إنسانياً بحكم أنها تمثل حصاراً للشعب القطري سيؤثر على معيشته اليومية وقدرته على تلبية احتياجاته الأساسية، وتصوير الإجراءات التي اتخذتها الدول المقاطعة وكأنها عملية خنق كامل لقطر! وقد كان الرئيس التركي مبادراً في هذا الصدد، ولم ينسَ أن يوظف توقيت الأزمة الذي تزامن مع شهر رمضان الكريم في تعزيز هذا التصور للأزمة. وتتجاهل هذه المغالطة حقيقة أن تلك الإجراءات هي مجرد تعبير عن الغضب، فضلاً عن التحسب الواجب لاعتبارات أمنية ناجمة عن ممارسات النظام القطري، ولكن الكل يعلم أن الإجراءات التي اتُخذت قد تمت استناداً إلى الحقوق السيادية للدول التي اتخذتها في إطار القانون الدولي، وإلا لاتخذت مثلاً شكل الحصار البحري، بحيث يتم إغلاق المجال البحري لقطر أمام حركة الملاحة الدولية. ولذلك فقد بقيت خطوط اتصال قطر مفتوحة مع العالم، فسارعت الطائرات الإيرانية بنقل عشرات الأطنان من الأغذية إلى قطر، ورست السفن العملاقة في ميناء حمد كما هو معتاد. وكم كان تخبط بعض الفضائيات المشبوهة طريفاً وهي تبدو حائرة بين محاولة المبالغة في التداعيات الإنسانية السلبية على الشعب القطري من ناحية، والمبالغة من ناحية أخرى في أن كل شيء على ما يُرام، ويبقى ملف المغالطات مغرياً بالمتابعة.