الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الثلاثاء 27 يونيو 2017 / 13:45

تركيا.. أزمة هوية كبرى تنذر بمزيد من العنف

مع تنامي حالة الاستقطاب السياسي في المجتمع والدوائر الرسمية التركية، من أجل تحقيق منافع سياسية، حذر ستيفن كوك، زميل في مجلس العلاقات الخارجية لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لمركز إيني إنريكو ماتي، من أن النتيجة ستكون مزيداً من الغضب والعنف في الشارع التركي.

بموازاة تشديد أردوغان لقبضته السياسية، عمل على إضعاف الجيش وتقويض أي مظهر للصحافة المستقلة، وتطهير البيروقراطية

ولفت كوك لحكم قضائي أصدرته، في 14 يونيو( حزيران)، محكمة تركية يقضي بسجن أنيس بربيروغلو لمدة 25 عاماً بتهمة التجسس. وقد أدى القرار لإحداث صدمة عبر تركيا، وحتى بعد مرور عام على اعتقال الحكومة لما يزيد عن 200 ألف شخص في أعقاب المحاولة الانقلابية الأخيرة.

ويقول كوك أن بربيروغلو ليس مؤيداً لفتح الله غولن الذي يتهمه رجب طيب أردوغان بالتخطيط للانقلاب العسكري، ولا هو عضو في حزب العمال الكردستاني، منظمة إرهابية تحارب الدولة التركية منذ أكثر من 30 عاماً. إنه صحفي وبرلماني عن حزب الشعب الجمهوري، الذي يمثل دائرة انتخابية علمانية ووطنية.

تهم مفبركة
ويشير الباحث لاعتقال تركيا لأكثر من 177 صحفياً، وبرلمانيين أكراداً. والتهم التي سيقت ضد بربيروغلو تتعلق بمقالات ضد الحكومة، وعدم تأييده الأجندة الدينية لحزب العدالة والتنمية الحاكم( آي كي بي). كذلك، يعتقد أنه مصدر الرواية التي كشفت عن تصدير أجهزة استخبارات تركية شحنة أسلحة لجماعات متطرفة في سوريا. ورداً على اعتقاله، دعا حزب الشعب التركي لتسيير مظاهرة في جميع أنحاء تركيا طلباً لتطبيق العدالة.

رمز
ويرى كوك أن مأساة بربيروغلو بشأن حرية الصحافة وغطرسة السلطة والعدالة تمثل رمزاً للصراع التركي الداخلي بين أنصار آ كي بي، وأتباع غولن، والنخب العلمانية والأكراد والليبراليين.

وبموازاة تشديد أردوغان لقبضته السياسية، عمل على إضعاف الجيش وتقويض أي مظهر للصحافة المستقلة، وتطهير البيروقراطية، وكل ذلك يتسق مع جهوده التي بدأها قبل 15 عاماً لتحويل تركيا إلى مجتمع غير علماني.

صراع على الهوية
وبحسب كوك، تسود اليوم مخاوف في أوساط المجتمع التركي حيال ذلك الصراع على الهوية التركية ما يهدد بزعزعة استقرار البلاد. ويذكر بأن هذا الصراع يعود لما قبل قرابة 100 عام للحظة تأسيس الجمهورية. فقد رأى مؤسس تركيا المعاصرة، مصطفى كمال أتاتورك، أنه من الضروري التركيز على فكرة "القومية التركية". وقد استندت تلك الميثولوجيا للصلات بين الأتراك واللغة التركية والأرض. ونتيجة لذلك، رأى أتاتورك أن ولاء المواطنين سيتحول، نظرياً، عن المؤسسة السياسية العثمانية ـ الدينية، التي هيمنت على معظم أرجاء العالم الإسلامي، إلى دولة يستمد فيها حكامها شرعيتهم على أساس الدفاع عن القومية التركية.

استبعاد
ومع تبني بعض الأتراك لعقيدة أتاتورك، وتأرجح آخرين ما بين مؤيد ومعارض، ومتدين رفض أفكاره العلمانية، استبعد الأكراد الذين أنكرت عليهم الجمهورية التركية رسمياً حقوقهم العامة.

وليست هذه مشكلة خاصة بتركيا فحسب، برأي الكاتب، بل واجه الأكراد في سوريا والعراق وإيران تحديات ترتبط بكونهم أقلية عرقية. وبالرغم من اندماج العديد من الأكراد في في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية التركية، هناك انقسام عميق وقديم بين القوميتين التركية والكردية. وقد تمثل ذلك في صراع بدأ في عام 1984 بين بي كي كي والدولة التركية، وما زال متواصلاً.

توتر عميق
وإلى جانب القضية التركية، يقول كوك، هناك توتر عميق بشأن الدين. فقد سعى أتاتورك للانفصال عن الامبراطورية العثمانية، وتعزيز مكانة الجمهورية التركية الوليدة، عبر إعطاء دولته سمة العلمانية ونزع الصفة الإسلامية عنها. ولكن تلك الخطوة التاريخية لم تكن كافية. بل تطلب إحداث تحول ثقافي هائل. ومن أجل تلك الغاية، سن أتاتورك قانوناً قضى باستخدام الأحرف اللاتينية عوضاً عن العربية في كتابة النصوص التركية، وتطبيق التقويم الميلادي لا الهجري، وحذف من الدستور التركي أن الإسلام هو دين الدولة.

مجتمعان
واليوم ورغم مرور حوالي 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية المعاصرة، يقول الكاتب ما زالت تركيا تعيش صراعاً ثقافياً يشكل صلب السياسات التركية ويبدو المجتمع التركي منقسماً إلى فريق علماني وآخر ديني، يعيشان مع بعضهما البعض.
فالإسلاميون الأتراك يسعون لتقويض قيم الجمهورية التركية، فيما تستخدم النخبة الجمهورية الدين لتحقيق أهدافها.

ومن هنا تكمن المشكلة في استقطاب الساسة الأتراك لمجتمعهم لأغراض سياسية يخشى أن تدفع لمزيد من أعمال العنف كالتي شنها متطرفون إسلاميون وعناصر من بي كي كي في أنقرة واسطنبول في الأعوام السابقة.