قوات روسية في سوريا.(أرشيف)
قوات روسية في سوريا.(أرشيف)
الثلاثاء 27 يونيو 2017 / 19:59

بالونات الاختبار الروسية لمواجهة أمريكا في سوريا

تتداخل مصالح أمريكا وروسيا على الأرض السورية، فتجدان أن لكل منهما مصالح آنية مع إيران، ومع داعش، على الأقل تكتيكياً

أسقط الأمريكيون، خلال الأسبوع الماضي، طائرة "سوخوي – 22" للنظام الأسدي قرب الرصافة في محافظة الرقة، ثم طائرة استطلاع على الحدود السورية العراقية. يمكن قراءة الحدث - الحدثين على مستويات عدة، ليس آخرها أن إرسال النظام طائرات إلى مناطق "نفوذ أمريكي" يعد اختباراً لجدية أمريكا في الدفاع عن مناطق نفوذها، وعن حلفائها في المنطقتين المذكورتين.

قبل ذلك، تسارعت الأحداث في الأسابيع الأخيرة، ابتداءً من تبني داعش لهجومين في إيران، على مجلس الشورى الإيراني، وعلى قبر الإمام الخميني، بالتزامن مع محاولات قوات النظام التمدد في البادية للوصول إلى الحدود السورية العراقية. تلا ذلك استعراض إيران لقوتها الصاروخية في اتجاه مواقع مفترضة لداعش في ديرالزور(!)، دون أن يعرف أحد أين سقطت تلك الصواريخ. كل ذلك يمكن تفسيره بمحاولة النظام الأسدي، وحلفائه، العودة إلى منطقة فارغة تماماً من نفوذهم منذ سنوات. حتى وجود النظام في قسم من مدينة ديرالزور، وتمسكه بالسيطرة على مطارها العسكري، ظل طوال سنوات وجوداً قلقاً، وكاد داعش في أكثر من مرة أن يسيطر على المدينة كاملة، ليبقى وجود النظام مقتصراً على مربعات أمنية صغيرة في الحسكة، بالتوافق مع "قوات حماية الشعب"، الكردية، هناك.

"عودة الروح" للنظام الأسدي، وحليفها إيران، منذ نهايات العام الماضي، وتنمره في الأيام والأسابيع الماضية، لم نكن لنراه لولا الدعم الروسي. فروسيا غير الراغبة بمواجهة مع أمريكا في مناطق نفوذ الأخيرة تحاول استشراف نوايا أمريكا، وجديتها في دعم حلفائها من الأكراد في الرقة، وفصائل من الجيش السوري في بادية حمص، وصولاً إلى ديرالزور، والحدود الدولية بين سوريا والعراق. فأطلقت هؤلاء في الجنوب، ودعمتهم بطيرانها في درعا لقصف مناطق سيطرة الجيش الحر هناك.

على الأرض، عجز النظام، منفرداً، أو بدعم من الميليشيات السورية، وغير السورية، عن تحقيق أي تقدم منذ 2012. ولولا دعم روسيا التي دخلت في الحرب على سوريا منذ أيلول 2015، فعلياً، بعد أن اكتفت قبل ذلك بتغطية جرائم حرب النظام ديبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي، وإمداده بالسلاح مدفوع الثمن، لما تمكن النظام من حلب، ولما تمكن من تهجير سكان كل من داريا، والتل، والقابون، وبرزة، والوعر، وغيرها.

مع ذلك، تحتاج روسيا للتخفي خلف النظام، وخلف إيران وميليشياتها، لاستفزاز أمريكا، مفضلة عدم المغامرة في استجرار الأخيرة إلى معركة مباشرة لا يرغب فيها الطرفان.

ورهانات معركة درعا تفتح الباب واسعاً لتوقعات منها ما يتعلق بأمريكا، التي إذا قررت أن عودة سيطرة النظام على درعا خط أحمر، حتى لو كان ذلك بدعم روسي، وقدمت الدعم العسكري والسياسي للجيش الحر، فستتقدم قوى الثورة عندها على النظام. وعلى الأقل، ستحافظ القوى على ميزان ردع متوازن، بعد اختلال الميزان لصالح النظام في عموم سوريا. هذا على الرغم من التراخي الأمريكي المستمر في هذه المنطقة، وحالة الترقب التي تبديها حيال استخدام النظام البراميل المتفجرة بشكل مكثف، لقصف مناطق الجيش الحر في المحافظة.

على كل حال، أمريكا حاضرة في المنطقة بالتنسيق مع المخابرات الأردنية، في منطقة ذات خصوصية شديدة، كونها تقع قريباً من الحدود السورية الفلسطينية، وعلى تماس استراتيجي مع "إسرائيل".

هنا، لا نحتاج إلى تذكير أنفسنا أن الدولتين الروسية والأمريكية، في حال توافقهما أو تصادمهما، لا تتوافقان مع الثورة السورية. كما لا تتوافقان، أو تتصادمان، مع النظام الأسدي. على الأقل في السنوات الماضية، وحتى اليوم.

أكثر من ذلك، تتداخل مصالح الدولتين على الأرض السورية، فتجدان أن لكل منهما مصالح آنية مع إيران، ومع داعش، على الأقل تكتيكياً، ما يعني أنهما تساهمان في تعميق جراح السوريين، مناصفة مع النظام الأسدي وحلفائه، ومع داعش الذي يؤدي دوره الوظيفي باقتدار لتعقيد فرص الحل السياسي، أو العسكري، أو كليهما معاً.

ليس بعيداً من درعا، في الرقة، اقتربت قوات النظام الأسدي، وميليشياته، من مطار الطبقة العسكري، بعد السيطرة على 1700 كيلومتر مربع من أراضي المحافظة (حتى 18 يونيو/ حزيران الجاري). والمطار هو قاعدة لأمريكا وحلفائها في "قوات سوريا الديمقراطية".

وبالطبع، احتجت روسيا على إسقاط طائرة السوخوي، ليس أكثر من ذلك. وفي هذا دلالة، وتأكيد معاً، على أن أمر تحليق طائرات النظام أتى من غرفة العمليات الروسية. ونتيجة شعور روسيا بالعجز، فالمتاح في فمها توجيه احتجاج لفظي، رداً على استبعادها من المشاركة في معركة الرقة، بعد سنوات من حرية تحليق طائراتها فوق الرقة، وبعد مئات الغارات التي استهدفت داعش فأصابت المدنيين.

وعلى الرغم من أحداث الأسبوع الماضي، عاد الخط الساخن بين الدولتين لتنسيق طلعات الطيران بينهما، ما يعني سريان الاتفاق الضمني، أو الصريح، على تقاسم مناطق النفوذ في الجو، وعلى الأرض، ولكن إلى حين سينقضي وإنْ طال.