مكة المكرمة.(أرشيف)
مكة المكرمة.(أرشيف)
الثلاثاء 27 يونيو 2017 / 20:06

مسيحيون يغنّون للقرآن

عملٌ قديم جديد خالد لا يبلى مع الزمان. أغنية: "غنّيتُ مكةَ" التي تتغنّى بأعياد المسلمين وحجيج مكّة وجبل عرفات وآيات القرآن الكريم

الفنّانُ دائمًا أعلى كعبًا، في حقل الإنسانية، من سائر الناس. أتكلّم عن الفنّان "الحقيقي" الموهوب، المفطور على صناعة الجمال مضفورًا بالفنّ، مجدولاً بالخير والحق والفرح. يُفرّقنا الساسةُ أحزابًا وتكتلاتٍ وشِيعًا وجبهات وأغنياءً وفقراءً ويمينًا ويسارًا وبيضًا وسودًا وصُفرًا وأقرباء وغرباء وأكثريات وأقليات ومواطنين ووافدين ولاجئين. كذلك يُفرّقنا رجالُ الدين، طوائفَ ومذاهبَ وعقائدَ وأديانًا ونِحلاً ومِللاً... ولا يعود ليجمع شتاتنا تحت مِظلّة الإنسانية، إلا الفنّ.

والساسةُ يعلمون هذا حقَّ العلم. لهذا حينما أراد ستالين أن يحثَّ الشعبَ الروسيَّ على مقاومة النازيين حين كانوا على مشارف موسكو، هتف فيهم قائلاً: “يا شعبَ روسيا، دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي.”

وفي حين قال تلك الجملة العبقرية سياسيٌّ فاشيّ، ليستنهض همم شعبه عن طريق تذكيرهم بأدبائهم وفنانيهم، نجد رجال الدين يُحبطون جهد العلماء والفنانين. فحينما حاول الطبيب الإنجليزي "إدوارد جينر" اكتشاف مصلٍ يحارب مرض الجدري، عارضه باباوات الكنيسة آنذاك قائلين له: “الجدري جاء ليُعقابنا على خطايانا، فلا تقاومه.” لكنه لم يُنصت لهم واخترع المصل وأنقذ البشرية. وحينما اكتشف "جاليليو" أربعة كواكب بعد الكواكب السبعة المعروفة، عارضه رجالُ الكنيسة قائلين إن الكواكب لا يمكن أن تزيد عن سبعة، لأن الشمعدانات في الكتاب المقدس عددها سبعة. وقدموه للمحاكمة وكادوا يشنقونه حين أقرَّ بأن الأرض تدور حول الشمس. سوى أنه "أخذهم على قدر عقولهم"، وقال "كاذبًا" إن الشمس هي التي تدور حول الأرض، كما تفهم عقولهم المحدودة آنذاك. وطبعًا في عقيدتنا الإسلامية رجالُ دين يقتلون كل يوم الفنون والآداب والعلوم تحت نصال مقاصلهم.

اليوم، في عيد الفطر المبارك، أقدّم لكم دليلاً على قولي. عملٌ قديم جديد خالد لا يبلى مع الزمان. أغنية: "غنّيتُ مكةَ" التي تتغنّى بأعياد المسلمين وحجيج مكّة وجبل عرفات وآيات القرآن الكريم. تلك الأغنية الفائقة التي شدت بها "فيروز" فأرجفت أوصالَنا من فرط العذوبة والجمال والرقي.

تلك القصيدة البديعة، كتبها الشاعرُ اللبناني الكبير "سعيد عقل"، وهو مسيحي. وكتب موسيقاها ولحّنها الإخوان "عاصي ومنصور رحباني"، وهما مسيحيان. وعزفها ومَوسَقها، أوركسترا الرحابنة، وهم مسيحيون. وشدتها بها وغنّتها فيروزةُ هذا الكوكب، "نهاد حدّاد" المعروفة باسم "فيروز"، قيثارة السماء وجارة الوادي وشادية هذا الزمان، وهي مسيحية كذلك.

اقرأوا معي كلماتِ تلك القصيدة الرائقة، وأنصتوا إلى الأغنية بصوت فيروز، واندهشوا جدًّا.... ثم راجعوا الكود الأخلاقي الخاص بكم.
(غنيتُ مكة أهلها الصيدا/
و العيدُ يملأ أضلُعي عيدا/
فرحوا .... فلألأ تحت كلِّ سمًا/
بيتٌ على بيتِ الهدى زيدا/
و على اسم ربِّ العالمين /
علا بنيانُهم ... كالشَّهبِ ممدودا/
يا قارئَ القرآنِ صلِّ لهم/
أهلي هناك .... وطيّب البيدا/
مَن راكعٌ ويداه آنستا/
أنْ ليس يبقى البابُ موصودا/
أنا أينما صلّى الأنامُ .../
رأت عيني السماءَ تفتحت جودا/
لو رملةٌ هتفت بمبدعها/
شجوًا .... لكنتُ لشجوها عودا/
ضجَّ الحجيجُ هناك فاشتبكي/
بفمي هنا يا ورق تغريدا/
و أعز ربّي الناسَ كلَّهمُ/
بيضًا فلا فرقت أو سودا/
لا قفرةٌ إلا و تُخصبها/
إلا ويُعطي العطرَ لا عودا/
الأرضُ ربي وردةٌ وُعدت بك أنت تقطف/
فاروِ موعودا/
و جمالُ وجهِك لا يزال رجا يُرجى/
وكلُّ سواه مردودا.)

الطائفيةُ والمذهبيةُ والعنصريةُ، لا تدلُّ فقط على: سوء الأخلاق، وسوء التربية، ومحدودية الذكاء، وانحطاط الروح، وانعدام الثقافة، إنما هي دليلٌ مباشر وقاطع على استحالة تمتع المرء بالموهبة.
الموهوب: غير طائفي.
الذكي: غير طائفي.
المثقف: غير طائفي
رفيع الروح: غير طائفي.
ذو الأخلاق: غير طائفي.
والعكس دائمًا صحيح جدًّا وجدًّا وجدًّا.