أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد والد أمير الانقلاب (أرشيف)
أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد والد أمير الانقلاب (أرشيف)
الثلاثاء 27 يونيو 2017 / 18:06

ذكرى انقلاب حمد بن خليفة.. سنوات التنكيل خلف جدران الإمارة الصغيرة

24 - سليم ضيف الله

في مثل هذا اليوم من عام 1995، وعلى غرار العادة السنوية، قرر أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد السفر إلى أوروبا لقضاء عطلته السنوية الصيفية في أجواء أقل حرارة من صيف الدوحة، لكنه وجد نفسه بعد ساعتين من إقلاع طائرته، سليب العرش، مُطارداً في فنادق سويسرا، بعد أن أطاح به ابنه حمد بن خليفة، في انقلاب تلفزيوني فريد من نوعه.

تشهد قطر في مثل هذا اليوم، 27 يونيو (حزيران) رغماً عن النظام القطري، ورغم "فقدان الذاكرة" الذي يُصيب قناة الجزيرة سنوياً في مثل هذا التاريخ، ومنصات الإعلام الشقيقة والتابعة لها وللإعلام الرسمي القطري أو المدعوم قطرياً، بذكرى انقلاب والد الأمير الحالي الشيخ تميم، وولي العهد يومها الشيخ حمد بن خليفة، على والده حاكم البلاد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، سادس أمراء قطر، الذي حكم البلاد بين 1972، بعد انقلاب أبيض على عمه الحاكم الأسبق للبلاد أيضاً.

وفي مثل هذا اليوم قبل 22 عاماً، رافق ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة والده الأمير إلى المطار لوداعه، وأقام له وليمة فاخرة حضرها كبار رجال الدولة من وزراء، وشيوخ، ومسؤولين قطريين، تداعوا تلبيةً لواجب وداع الأمير والسلام عليه قبل سفره إلى الخارج، فأكلوا هنيئاً وشربوا مريئاً، وعلت أصواتهم للأمير بطول العمر، والعودة إلى البلاد سريعاً بعد عُطلة تمنوها سعيدة هانئة، ولم يدر بخلد الحضور، كما الأمير السابق، ما طبخ ابنه وولي عهده في قصره، مع مجموعةٍ من المقربين منه مثل رجله القوي ورئيس حكومته لاحقاً الشيخ حمد بن جاسم، أو عينه ومخبره الرسمي على الحكومة والمسؤولين الكبار في الدولة المقربين من الأمير الأب، عبد الله بن حمد العطية وزير النفط السابق، الذي لعب أدواراً شديدة الخطورة والحساسية منذ 1986 في خدمة ولي العهد حمد بن خليفة، ضد منافسيه من العائلة الحاكمة خاصةً المنافس الأبرز والشقيق الخطير على حمد بن خليفة عبد العزيز، الرجل القوي سابقاً في قطر، الذي انتهى به المطاف مهجراً وطريداً في أوروبا مع والده المعزول الشيخ خليفة بن حمد.

وفي 27 يونيو (حزيران) 1995، وبعد الوليمة الفاخرة، ومراسم الوداع الرسمي للأمير الشرعي وقتها للبلاد، تفرق القطريون من جديد بهدف ممارسة حياتهم العادية، ولكن بمجرد مغادرة الطائرة المقلة للأمير الحاكم المجال الجوي القطري، حتى قطع التلفزيون الرسمي إرساله وبرامجه، ليعود بعد ساعتين من سفر الأمير، ليزف للقطريين بشرى الانقلاب، عن طريق إعلان خبر "عزل" الأمير لأسباب مجهولة، وبقرار من ابنه "وولي عهده الأمين" حمد بن خليفة، ثم فور إعلان الخبر، بث التلفزيون الرسمي، في غياب الجزيرة، التي كانت أول وأهم ثمار الانقلاب بعد حوالي سنة واحدة، تقريراً مصوراً عن مراسم البيعة للأمير الجديد.

ولفت التقرير الذي بثه التلفزيون، والذي لم يتخلله صوت أو بيان، أو أي مرفقات صوتية تعكس أهمية الحدث وخطورته في تاريخ البلاد، انتباه المتابعين، ليتبين لاحقاً أنه تقرير أعد بشكل مسبق، ولم يكن في الواقع سوى استقبال عادي من ولي العهد لأعيان البلاد، وأهل الحل والعقد فيها، وشيوخها وفقهائها ووجهاء قبائلها، بعد دعوة مفاجئة من ولي العهد لهم بغرض السلام عليه.

وفور إعلان الخبر رسمياً، صعق الأمير المعزول وحاول العودة فوراً من أوروبا لاستجلاء حقيقة الأمر، وإنقاذ حكمه وما يمكن إنقاذه من براثن حمد، ولكن الأمير الحاكم الجديد، استبق الأحداث بإرسال تعليماته التي سبقت وصول الأمير إلى قصره في كان، والتي كان مفادها أن محاولة للعودة تعني الاستقرار في سجون الدوحة، مع تهديد شديد اللهجة بضرورة إعادة مفاتيح الخزينة وإعادة كل الأموال القطرية في الخارج وتسليمها إلى الحكم الجديد، أو المغامرة بالتعرض إلى السجن والملاحقات القضائية.

ورغم المفاجأة والصدمة التي تسبب فيها الانقلاب التلفزيوني الصامت، لم ينجح الأمير الجديد المزهو "بضربته" الموفقة في السيطرة على الأوضاع في الدوحة تماماً إلا بعد سنوات طويلة من المطاردة للأمير الحاكم، وبعض إخوة الأمير الجديد، وملاحقة كل نفس معارض أو منشق في الداخل، ودفعت قبيلة آل مرة خاصةً إلى جانب عشرات العسكريين، والضباط من الجيش والحرس الأميري فاتورة ثقيلة للانقلاب، ومحاولة إعادة الشرعية طوعاً أو قسراً.

ومنذ اللحظات الأولى للانقلاب، كان الشيخ حمد بن خليفة، يُدرك أن استعمال سياسة العصا الغليظة، أو اليد الثقيلة نظراً لضخامته الجسدية طريقه الوحيد لضمان السيطرة على البلاد وخنق أي محاولة للتمرد أو التشكيك في حكمه، لينزل بيده الثقيلة على أحد فروع قبيلة آل مرة، أي آل غفران تحديداً، ليُعمل فيهم سجناً، وتعذيباً بعد أن لمس تمسكهم بالأمير السابق والبيعة التي كانت في أعناقهم له.

وشهدت السنوات القليلة التي تلت انقلاب الأمير حمد بن خليفة، حملة تطهير واسعة لقطر من آل غفران الذين طالهم التشريد والتهجير، ومصادرة الأملاك والعقارات، وانتزاع الجنسية بأثر رجعي، للمناهضين للحكم ولآبائهم وأجدادهم الذين ماتوا حتى قبل ولادة الأمير الجديد ووالده المعزول.

ورغم ظهور قناة الجزيرة في 1996، إلا أنها لم تنتبه في 1997 إلى المحاكمات الخاطفة التي تعرض لها عشرات القطريين المتهمين بتأييد مشروع الانقلاب على الأمير حمد بن خليفة، والتي طالت أكثر من 120 من الضباط والعسكريين في سلكي الجيش والحرس الأميري وحتى بعض أفراد العائلة الحاكمة المناهضين للانقلاب، وعشرات المواطنين، خاصةً المنتمين منهم إلى آل مرة، أو آل غفران.

وبعد اعتقالات واسعة، على شكل موجات متعاقبة اتهمت المحاكم القطرية العشرات من رافضي الانقلاب كل من مثل خطراً أو منافساً، أو مؤيداً للعهد القديم والحكم السابق، بجرائم " محاولة عزل أمير قطر عن الحكم بالقوة، وحمل السلاح ضد دولة قطر، و إفشاء أسرار عسكرية، و التعاون، و التآمر مع دول أجنبية" وعشرات التهم الأخرى، التي أفضت إلى أحكام تراوحت بين الإعدام شنقاً أ وبالرصاص، والمؤبد، والسجن فترات مختلفة الطول، وبراءة 20 آخرين.

وبين 1995 و2001 خصصت أجهزة الأمن والقضاء والمخابرات القطرية، جهوداً كثيفة ومستمرة لتعقب واعتقال وسجن عشرات القطريين، الذين كانت جريمتهم الأولى الولاء للأمير السابق، أو رفض الحكم الجديد وكتابة ذلك على جدران الدوحة ليلاً، كلما تيسر وأمكن، تمسكاً برفض الانقلاب والإصرار على أن "خليفة أميرنا إلى الأبد" أو انقلاب "حمد ومن معه خيانة للوطن قطر والأمير الشرعي" وغيرها من الشعارات التي سريعاً ما تبددت واختفت من على جدران مباني الدوحة وشوارعها، بعد أن ضخ الحكم الجديد عشرات الملايين من الدولارات في جيوب الطبقة الحاكمة الجديدة في البلاد، بقيادة حمد بن جاسم من جهة، وبفضل التقارير الإعلامية التي وجدت طريقها إلى الإعلام القطري بفضل تدفق عشرات ومئات الصحافيين العرب والأجانب على قطر، وبعضهم حصل على الجنسية القطرية ليرتفع عنده الحس الوطني والولاء للقيادة القطرية الجديدة، بما غطى على مئات آل غفران الذين تحولوا إلى طابور خامس في وطنهم الذي لم يعرفوا غيره.

وفي الأثناء لم تتأخر قناة الجزيرة وملحقاتها عن مباركة العهد الجديد والسعيد الذي " طلع فجره على يد الأمير حمد بن خليفة" لتزرع في المشهد الإعلامي العربي أول بذرة من بذور إعلامها "النزيه والجديد والمحترف" حتى بداية ما يمكن تسميته بساعة الحساب، أو ما أطلق عليه إعلام الجزيرة القطرية تجاوزاً "الربيع العربي" تماماً كما الربيع القطري، الذي حل موسمه مع اغتصاب الشيخ حمد بن خليفة حُكم والده، منذ 22 عاماً.