وزير الدفاع السوري الاسبق مصطفى طلاس.(أرشيف)
وزير الدفاع السوري الاسبق مصطفى طلاس.(أرشيف)
الأربعاء 28 يونيو 2017 / 20:03

وزير دفاع النظام العسكريّ

الأنظمة العسكريّة والامنيّة لا تختار لوزارة دفاعها إلاّ شخصيّة تافهة تعجز عن قيادة الجيش، وتعجز تالياً عن استخدامه ضدّ الحاكم

مات مصطفى طلاس وزير الدفاع السوريّ لسنوات مديدة. لكنّ نعي مصطفى طلاس يبدو نعياً للاأحد. صحيح أنّ الرجل وقّع أوامر بالإعدام، وهذا يلطّخ صورته بما فيه الكفاية، إلاّ أنّه لم يكن هو نفسه صاحب الأوامر، ولا صاحب الرأي فيها. أبعد من ذلك أنّ اهتماماته الفعليّة كانت في مكان آخر: في ملكات الجمال والخرافات والتنجيم وأنواع الزهر وروائحها...

بلغة أخرى، كان وزير الدفاع السوريّ شخصيّة تافهة لا معنى لها. وهو، كما أشار كتّاب سوريّون ولبنانيّون، إنّما احتلّ الموقع الذي احتلّه لأنّه بالضبط شخصيّة تافهة. في هذا المعنى، لا يرد اسمه في أيّ من المنعطفات الأساسيّة للسياسات السوريّة، إلاّ في حدود المساهمة في الشتم والهجاء لمن يخاصمون هذه السياسات أو تخاصمهم.

وقد يقول قائل إنّ حافظ الأسد لم يترك مكاناً لسواه، وهذا صحيح. مع ذلك، لم يحتلّ طلاس المواقع التنفيذيّة لقرارات الأسد التي احتلّها آخرون كرفعت الأسد وعبد الحليم خدّام ومحمّد ناصيف وحكمت الشهابي وعلي دوبا وعلي حيدر...

والمدهش أن يكون وزير الدفاع على مثل هذا الامّحاء في دولة عسكريّة يُعوّل فيها على الجيش (والأمن) بأكثر كثيراً ممّا يُعوّل على المؤسّسات الأخرى، لا سيّما منها تلك المدنيّة التي هي لزوم ما لا يلزم.

لكنّ المفارقة هذه لا تلبث أن تفسّر نفسها بنفسها. فقبل عقود، عرفت مصر الناصريّة، والتي كانت أيضاً دولة عسكريّة وأمنيّة، وزير دفاع لا يقلّ تفاهة، هو نائب الرئيس المشير عبد الحكيم عامر. والأخير كان صديقاً حميماً للرئيس جمال عبد الناصر منذ أيّام الكلّيّة الحربيّة و"الضبّاط الأحرار"، بالمعنى الذي كانته صداقة طلاس للأسد منذ أيّام الكلّيّة الحربيّة والانتساب الشبابيّ إلى حزب البعث.

وتجربة عامر التي انتهت بانتحاره، وعلى الأغلب نحره، باتت معروفة جدّاً. فهو من أشرف على هزيمة حزيران (يونيو) 67 المطنطنة بعد تدمير القوّة الجوّيّة المصريّة على أرض المطار، من دون أن يبذل أدنى جهد احترازيّ لتفادي احتمال كهذا.

ويذكر بعثيّو العراق كيف أنّهم، حين وصلوا للمرّة الأولى إلى السلطة عام 63، سلّموا وزارة الدفاع إلى أحد أتفه شخصيّاتهم، صالح مهدي عمّاش، الذي كان مهتمّاً بنظم القصائد العموديّة أكثر كثيراً من اهتمامه بمتابعة المجريات العسكريّة. مع ذلك، وفي وقت لاحق، "اغتيل" بحادث جوّي مشبوه وزير الدفاع عدنان خير الله. ذاك أنّ بعض الانتصارات التي تحقّقت للعراق في حربه مع إيران ارتبطت باسمه ومنحته رصيداً شخصيّاً، ما جعل تصفيته أمراً "ضروريّاً" من وجهة نظر صدّام. لم يحل دون ذلك أنّ خير الله كان ابن طلفاح خير الله، خال صدّام الذي عاش في بيته بعد هربه من زوج أمّه، كما اقترن بابنته، وأخت عدنان، ساجدة.

تشير هذه التجارب وغيرها إلى أنّ الأنظمة العسكريّة والامنيّة لا تختار لوزارة دفاعها إلاّ شخصيّة تافهة تعجز عن قيادة الجيش، وتعجز تالياً عن استخدامه ضدّ الحاكم. فالأخير الذي وصل إلى السلطة عبر القوّات المسلّحة، يعرف حساسيّة هذا الموقع أكثر من سواه. ولأنّه كذلك، فهو لا يسمح ببقاء شخص مختلف كعدنان خير الله، كي لا يكرّر تجربة عرفتها الجزائر بُعيد استقلالها، حين انقضّ على السلطة وزير دفاعها هواري بومدين مطيحاً رئيسه أحمد بن بلّه.