أمير قطر الشيخ تميم والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
أمير قطر الشيخ تميم والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الأربعاء 28 يونيو 2017 / 19:59

أستاذية العالَم

بدا أردوغان وهو يُحرِّض، ويُشجِّع دولة قطر الصغيرة، على رفضها للمطالب ال13 التي وضعتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين، كزعيم تنظيم سياسي، وليس رئيساً لدولة يُقدِّر حجم وخطورة عداء دولته المباشر والصريح، لدول كبيرة مجتمعة

يفقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعصابه، عندما يتعلق الأمر بأيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين، أي تتلاشى مصلحة دولته الكبيرة تركيا، لحساب مصلحة جماعة إرهابية تعتقد في يوتوبيا أستاذية العالَم، وهي يوتوبيا تصوِّر للجماعة الإرهابية، أنها عاجلاً أم آجلاً ستغزو العالَم. وبوصول طلائع قوات تركية إلى الدوحة، وضع كثيرون على السوشيال ميديا، صوراً لمُحاوَلَة انقلاب الجيش التركي الفاشلة، العام الفائت، على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكانت الصور تحمل إهانة شديدة للجيش التركي الذي جُرِّد من ملابسه، وجُلِدَ بالأحزمة، ونُكِّل بآلاف منه، أمام عدسات التصوير، وبسواعد مناصري أردوغان. هل هذا الجيش الذي لم يستطع الدفاع عن نفسه، عن كرامة سلاحه، عن ملابسه العسكرية، هو مَنْ سيحمي الدوحة؟ الحقيقة أن سياسة قطر في دعمها للإرهاب لا تختلف عن سياسة تركيا. هل هناك فرق بين شبكة رصد وبين قناة الجزيرة؟ نفس المحتوى الفج الكاذب المساند للجماعات الإرهابية.

بدا أردوغان وهو يُحرِّض، ويُشجِّع دولة قطر الصغيرة، على رفضها للمطالب ال13 التي وضعتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين، شرطاً لعودة العلاقات، كزعيم تنظيم سياسي، وليس رئيساً لدولة يُقدِّر حجم وخطورة عداء دولته المباشر والصريح، لدول كبيرة مجتمعة. ومع اختفاء أمير الدولة الصغيرة، بعد ظهوره لأقل من نصف دقيقة على التلفزيون القطري، ثم قطع البث فجأة، وتبرير القطع بترك فرصة للوساطة الكويتية التي أفشلتها قطر أيضاً، تأتي تصريحات أردوغان، لتقفل باب المفاوضات، ومع ذلك لا يخرج الأمير تميم بخطابه الموعود، المؤجل إلا إذا اعتبرنا خروج فيديو في عيد الفطر، وفيه الأمير تميم يُقبِّل رأس القرضاوي، رأس الإرهاب، المطلوب في قائمة الإرهابيين، هو الخروج المؤجل للأمير تميم أمام الشعب القطري. الغريب أن الفيديو تم حذفه لاحقاً، لكن هذا السلوك القطري تكرر أكثر من مرة منذ بداية الأزمة، الشيء ونقيضه، الإقدام والتراجع، الخطاب المزدوج. يرى البعض أن هذا دليل على الارتباك القطري، ويرى البعض الآخر، وهو الرأي الأوجه، أن الشيء ونقيضه، والإقدام والتراجع، والخطاب المزدوج، طريقة للمراوغة، طريقة للإفلات من أية تعهدات.

لا تريد قطر أن يفكر الجميع ماذا سيحدث بعد انقضاء مدة الأيام العشرة، ولم يبق عليها سوى أيام قليلة، التي وضعتها الدول الأربع كحد نهائي لتنفيذ المطالب، لأن هذا التفكير يجعل ظهر قطر للحائط، وقد يحرمها من مماطلة الخطاب المزدوج. بعد انقضاء المدة لن يكون هناك معنى لهذا الخطاب، سيبدو تكراره من الدولة الصغيرة، جواباً نهائياً صريحاً برفض المطالب. لا يُفهم العنت القطري إلا في سياق الفكر الإخواني، القائم على تكفير الدول والمجتمعات الحديثة، والتكفير يستدعي حروباً لا تنتهي إلا إذا أصبح العالَم كله إخواناً. الدولة لا تصبح دولة إخوانية إلا أذا انكمشتْ في معناها، وأصبحتْ مثل دولة حماس على سبيل المثال. حماس تمثل النموذج الأمثل للدولة الإخوانية. تولى أردوغان حكم تركيا سنة 2003، وحدثتْ مُحاوَلَة انقلاب الجيش التركي على أردوغان في 2016، واكتشفنا أن أردوغان دمَّر، بالتدريج، عقيدة الجيش الأتاتوركي في 13 سنة. ولهذا لا يصح أن يُطلق على الجيش التركي الآن، اسم جيش بالمعنى المُتَعَارَف عليه، إنه الآن شيء أقل من الجيش، وأقرب إلى الميليشيا، أو أقرب إلى الحرس الثوري الإيراني الذي كف أيضاً عن أن يكون جيشاً قياسياً منذ ثورة الملالي الإيرانية 1979. فما الحال مع دولة قطر الصغيرة الهشة التي فشل طياروها القطريون أو المجنسون، في دورات التدريب على قيادة طائرات الرافال الحربية الفرنسية.

أخيراً أعلن أمير قطر عن زيارة سيقوم بها هذا الأسبوع إلى فرنسا، للتشاور مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن أحداث المقاطعة الخليجية العربية للدوحة. تردد في الحال على السوشيال ميديا، هل سيعود الأمير تميم مرةً أخرى إلى قطر؟ السؤال له علاقة بذكرى الانقلابات الناعمة المفاجئة في أسرة تميم، والتي تتم بمعرفة الغرب أو رعايته. لكن السؤال ليس سؤالاً متطلباً، إنه سؤال لمتعة اختبار التاريخ. جدير بالذكر أن ماكرون في حملته الانتخابية، صرَّح بأنه إذا وصل للحكم، سيُطالب قطر بالتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية. وعلى أثر الزيارة المرتقبة، نظم نشطاء فرنسيون وقفة احتجاجية في العاصمة الفرنسية باريس، رفضاً لزيارة أمير قطر. وأقيمت ندوة عن علاقة قطر بالإرهاب، شارك فيها سياسيون فرنسيون وأوربيون وقادة جمعيات. تصدَّر وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني منذ بداية الأزمة السفريات المكوكية إلى العواصم الأوروبية، والآن فجأة يغامر الأمير تميم بالحركة خارج قطر.