شعار عام الخير.(أرشيف)
شعار عام الخير.(أرشيف)
الجمعة 30 يونيو 2017 / 17:46

لأجل عام من الخير

"شو يعني؟ ليست نهاية العالم!"، نتساءل بلا مبالاة، غير مدركين بأننا حين نتغاضى عن هذه الصغائر، "نُفسد" العسل الصافي الكامن في أعماق كل منا

حين سُئل الفيلسوف آنثوني أبياه عن الوصفة الأمثل لجعل الأفراد في المجتمع خيّرين ومعاونين لبعضهم بعضاً، افتتح إجابته محذراً من محاولة تحسين شخصياتهم. لا فائدة، واسألوا الآباء والمعلمين ليجيبكم صداعهم المزمن ويأسهم.

يوضّح أبياه إذا أن الحل الوحيد هو أن تضمن للأفراد استمرارية حدوث أشياء صغيرة ولطيفة لهم، ودوام تلقيهم مبادرات- على ضآلتها- ودية وخلوقة. وهذه من شأنها أن تجعلهم في جوع يومي لرد الجميل، ولو كان ببساطة مساعدة الآخرين على حمل حقائبهم الثقيلة، فهم توّاقون لمبادلة المجتمع اللطف والمراعاة.
  
فتخيّل أن يترك لك أحدهم درهماً إضافياً في آلة بيع القهوة، فأنت وإن لم تترك حفنة من الدراهم لمن بعدك، ستستشعر الواجب –على الأقل- في أن تترك بدورك درهماً واحداً.

وبعيداً عن تشاؤمي المزمن، ودعائي بأن يرتطم نيزكاً شاطحاً بكوكبنا، فإني أؤمن بطيبنا وصفاء أرواحنا، نحن الذين تتحدث مواقفنا الكبيرة عنا؛ في المؤسسات الخيرية، في بناء الأوقاف، في الإغاثات الطارئة للمنكوبين.

لكن شعوبنا قد تغفل قليلاً عن تلك الهدايا الرمزية التي من المفترض بنا لفّها في غلاف من التكافل الروحي –إن صح التعبير-، ومنحها لبعضنا بعضاً.
فتقول الحكاية الشهيرة أن زعيماً لإحدى القرى مرضت له ابنة، وتبيّن أن علاجها يستلزم توفير كمية مهولة من العسل. فوضع الزعيم جرة عملاقة، ورمى "عقاله" على أهل القرية متوسلاً "نخوتهم"، أو هكذا يخال لي. وبالفعل، هبّوا لصب جرارهم الصغيرة المحمّلة بالعسل في الجرة الضخمة.

إلا أن رجلاً من القرية عوّل بشكل مفرط على عطاء وأخلاق إخوته وجيرانه، فقرر ألا يصب العسل مثل غيره، متيقناً بأنّ كوباً يتيما من الاستهتار وعدم المراعاة لن يؤثر في جالونات من الاحترام والوفاء. ثم لم عليه هو بالذات أن يضحي بعسله الثمين؟

ولكن –بالطبع- كانت فكرته الغبية قد خطرت لمئة "اينشتاين" قبله، ولهذا حين جاء الزعيم في موعد فتح الجرة، وجد المياه تكاد تطفح منها.
وربما نحن لا نختلف عنهم.

لن أحترم الطابور، وسأتخطى من سبقني إليه، فلن يختل توازن كل البهائم المستعدة للاصطفاف فيه لساعات طوال. ولن أحرص على وضع السماعات عند تشغيل المقاطع والأغاني في هاتفي، فلست سوى فرد وسط قطيع من الهدوء. ولن أمسك الباب لمن خلفي، وسأضيف بتهكم "هل كان هو ليمسك لي الباب أدباً واحتراماً أصلاً؟".

"شو يعني؟ ليست نهاية العالم!"، نتساءل بلا مبالاة، غير مدركين بأننا حين نتغاضى عن هذه الصغائر، "نُفسد" العسل الصافي الكامن في أعماق كل منا. إننا نساهم في جعل أنفسنا وبعضنا بعضاً أفراداً ناقمين ومتبرمين، أو في أفضل الحالات، متوجسين من إظهار مبادراتهم الطيبة، ومتشككين من جدوى التحلّي بالأخلاق.

لنجعله عاماً فعليا من الخير، ذلك القليل الدائم الذي به وحده نبقى مجتمعات معطاءة متعاونة متعاضدة. وكل عام وأنتم بخير.