الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الإثنين 3 يوليو 2017 / 20:08

انقلابان أسودان في الضفة وغزة

بوجود أبو مازن على رأس الحركة وعلى رأس السلطة أيضاً، لم تعد إسرائيل ولا اللاعبون السياسيون الفاعلون في المنطقة يستشعرون الحاجة إلى بذل الجهد لإحداث تغيير جوهري في المسار الفلسطيني، حيث يتبنى هذا الرئيس

لن يتغير الحال الفلسطيني إذا لم تتغير حركة فتح، وكل ما عدا ذلك كلام فارغ ولعب في الوقت السياسي الضائع، ومن يرى المشهد الفلسطيني بموضوعية وبلا انحياز يدرك كم تردى الحال، وكم تراجعت القضية التي كانت ذات يوم قضية العالم كله، وكم صار ملحاً تصويب أوضاع الحركة وإعادتها إلى موقعها الطبيعي والطليعي في قيادة حركات التحرر في المنطقة وفي العالم.

هذه بديهية ينبغي الآن التذكير بها بعد كل ما أصاب فتح من تراجع وانحدار كاد يصل حد الانهيار نتيجة العبث المبرمج بالحركة وببرنامجها النضالي الذي قام على تبني الكفاح المسلح كشعار ومسار تم شطبه في المؤتمر الحركي السابع الصوري الذي عقده من سطوا على فتح وسخروا الحركة لخدمة توجهات أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة ومنقطعة الصلة بروح فتح والوجدان الشعبي الفلسطيني الذي ميز هذا الفصيل عن غيره من الفصائل اللاحقة التي تبنت برامج ومشاريع سياسية مرتبطة بأجندات عربية وإقليمية وكانت ترى فلسطين بعيون أنظمة حاكمة في المنطقة (جبهة التحرير العربية، الصاعقة، الجبهة الشعبية – القيادة العامة)، أو فصائل خاضعة لقوى عقائدية لا تضع تحرير فلسطين كأولوية في برامجها "الجهادية" ومنها جماعة الإخوان المسلمين وجناحها الفلسطيني الذي يحمل اسم "حماس"، وحزب التحرير الإسلامي.

وحده اليسار الفلسطيني كان واضح الرؤية والهدف، فلم تستسلم الجبهتان الشعبية والديمقراطية لإغواء الشعار، ولم تقدما النضال المجتمعي من أجل الطبقة على الكفاح الثوري من أجل الوطن، لكن الواقع الكوني الذي أصاب اليسار العالمي في مقتل، أثر فيهما وعليهما وظل دورهما محدوداً.

ولعل القوى الفاعلة في المنطقة أدركت في وقت مبكر استحالة العبث بالحالة الفلسطينية من خلال تكوينات سياسية طارئة وغير فاعلة، واكتشفت أن أي تغيير في المسار الفلسطيني لا بد أن يتم في فتح ومن خلالها، فعمدت إلى محاولات متكررة لشق الحركة، كانت جميعها محاولات فاشلة رغم كل ما أتيح لها من إمكانات، وقد انتهى تنظيم صبري البنا (أبو نضال) الذي حمل اسم حركة فتح – المجلس الثوري، مثلما انتهى انشقاق سعيد موسى (أبو موسى) الذي أسس حركة فتح – الانتفاضة، وكذلك كان حال انشقاق عطا الله عطا الله (أبو الزعيم).

فشلت محاولات العبث بالحركة التي ظلت صامدة تحت قيادة ياسر عرفات حتى استشهاده الغامض الذي أتاح صعود قيادة بديلة بالتوجه وبالبرنامج السياسي الذي حمله محمود عباس (أبو مازن) مهندس التسوية والمعارض لنهج الكفاح المسلح ولكل إرث المقاومة.

بوجود أبو مازن على رأس الحركة وعلى رأس السلطة أيضاً، لم تعد إسرائيل ولا اللاعبون السياسيون الفاعلون في المنطقة يستشعرون الحاجة إلى بذل الجهد لإحداث تغيير جوهري في المسار الفلسطيني، حيث يتبنى هذا الرئيس، قولاً وفعلاً، سياسة مناوئة للمقاومة، تنظيمية كانت أم شعبية، كما ينتهج سياسة ترسيخ الانقسام الجغرافي والمجتمعي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتقاسم مع حركة حماس، التي سطت على القطاع بانقلاب دموي أسود، جهد حفظ الأمن الإسرائيلي من خلال تقديسه للتنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة وإعجابه بالتهدئة الأمنية مع العدو التي تحرص عليها قيادة حماس في غزة.

هذان الانقلابان الأسودان في الضفة والقطاع، وهذا الواقع الفلسطيني البائس يدعو إلى العمل على تغيير جوهري يطال الأطر والمؤسسات القائمة كما يطال السياسات والبرامج المعتمدة في فتح في نسختها العباسية. لكن هذا التغيير لا يبدو ممكناً من خلال الأطر التنظيمية المرتبطة مصلحياً بالرئيس، ولا يمكن أن يتم من خلال محاولات الاستقطاب والاستنهاض للروح الفتحاوية في التشكيلات القيادية القائمة كاللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة، لأن أعضاء هذه التشيكلات منتقون بعناية لتنفيذ المشروع العباسي.

الحل يكمن في الشارع الفتحاوي، وفي قدرة الفتحاويين على العودة إلى المشروع الوطني الأصيل، وهو مشروع مقاوم للاحتلال وليس منسجماً ومتساوقاً معه. والمطلوب هو استعادة روح فتح من خانقيها، والالتفاف حول حراك شعبي مقاوم يمكن، رغم كل الظروف الصعبة أن يتحول إلى انتفاضة شعبية عارمة تعيد صياغة الواقع الإقليمي مثلما فعلت الانتفاضتان السابقتان.

بدأ التحول بعمليات فردية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، ويبدو الرهان منطقياً على تطوير هذه العمليات الفردية ودعمها وتوسيع نطاقها بتفعيل الفتحاويين للصحوة من السبات السياسي العقيم والانخراط في الفعل الميداني المنتج. ومن يقرأ المشهد بواقعية يدرك أن ذلك ممكن وآت لا محالة، ويوقن بأن كل ما عدا ذلك كلام فارغ ولعب في الوقت السياسي الضائع من عمر القضية.