المؤلف المسرحي سمير خفاجي والممثل عادل إمام. (أرشيف)
المؤلف المسرحي سمير خفاجي والممثل عادل إمام. (أرشيف)
الإثنين 3 يوليو 2017 / 20:04

تصحيح لخطأ قديم واعتذار عنه

لعل عدم إدراكنا لأهمية الضحك فى حياتنا، هو الذي حال بيننا وبين تقدير الدور المهم الذي لعبه «سمير خفاجي» في تاريخ المسرح العربي

ما كدت أقرأ اسم سمير خفاجي من بين أسماء المرشحين لنيل جائزة الدولة التقديرية في الفنون، التي عقد المجلس الأعلى للثقافة - في مصر - دورته السنوية منذ أيام، للتصويت على من يستحقونها، حتى شعرت بأن إحدى أمنياتي قد تحققت، وقررت على الفور أن يكون اسمه من بين الذين أمنحهم صوتي من المرشحين لفروع الجائزة المختلفة، التي تصل إلى 19 فرعاً.

وكان البحث عن اسم سمير خفاجي يشغلني طوال الأعوام الأخيرة، إذ اختفى من صفحات الصحف منذ أن أسدلت فرقة الفنانين المتحدين الستار عن آخر ما كانت تقدمه من مسرحيات، وهي مسرحية الزعيم التي ظل النجم عادل إمام يقدمها لسنوات متصلة قبل أن تدركها وتدركه عواصف الربيع العربي، التي قرر الزعيم في أعقابها أن يعتزل المسرح، ويتفرغ لتقديم المسلسلات التلفزيونية، إلى أن عثرت على الاسم على صفحات مجلة روز اليوسف التي بدأت تنشر فصولاً من الجزء الثاني من مذكراته، يتولى تحريرها الزميل أكرم السعدني.. وكانت قراءة هذه الفصول من المذكرات - التي كتب سمير خفاجي الجزء الأول منها - هو الذي نبهني إلى خطأ في التقدير وقعت فيه، ووقع فيه آخرون من جيلي، يتطلب تصحيحه والاعتذار عنه.
لحظتها تمنيت لو أن إحدى الجهات التي يمنحها قانون جوائز الدولة في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، حق الترشيح لها قد رشحته، وعقدت العزم على أن أمنحه صوتي من باب تصحيح الخطأ في التقدير، والاعتذار عنه.

وسمير خفاجي - لمن لا يتذكر - هو مؤسس عدد من الفرق المسرحية الخاصة، كان آخرها وأشهرها، هي فرقة الفنانين المتحدين، كما كان كاتب عدد كبير من مسرحياتها، منفرداً أو بالمشاركة - مع آخرين - كان من أبرزهم بهجت قمر.. وهي الفرقة التي ارتبط اسمه واسمها بعناوين مسرحيات، كان من حسن الحظ، أنها أدركت عصر التلفزيون، في مرحلتي ما قبل - وما بعد - التلوين، مما أتاح لقنواته الأرضية ثم الفضائية، ولمحطاته العامة والمتخصصة في الكوميديا، أن تكرر بثها مئات - وربما آلاف - المرات، حتى أصبحت هذه المسرحيات من العلامات الثابتة لبرامج التلفزيون، خاصة في أيام الأعياد، التي تبحث خلالها قنواته المحطات عن مواد ترفيهية، تحاول أن تنتزع بها الضحكات من قلوب العرب التي أثقلتها الهموم، ومن بين هذه العناوين التي لا يمكن أن ينساها الناس مسرحيات مثل: أنا وهو وهي ومدرسة المشاغبين وغراميات عفيفي وسُك على بناتك وبودي غارد وشاهد مشافش حاجة والواد سيد الشغال والعيال كبرت.. إلخ.

ولم يكن ترشيح سمير خفاجي للحصول على إحدى جوائز الدولة التقديرية هذا العام، هو أولى المفاجآت السارة التي واجهتني في هذه الترشيحات، فقد شملت - خلال العقد الأخير على الأقل - تطوراً في اختيارات الهيئات صاحبة الحق في الترشيح، تمثل في التحرر خلاله من التزمت النقدي الذى دفع الكاتب الكبير الراحل عباس محمود العقاد في إحدى السنوات، لرفض ترشيح الشعراء الذين يقرضون الشعر الحر للحصول على جوائز الدولة، حتى في أدنى مستوياتها وهو الجائزة التشجيعية، لأن ما يكتبونه - في رأيه - ليس شعراً بل هو نثر.. فإذا بهذه الترشيحات لا تتضمن فحسب أسماء شعراء التفعيلة، بل وأسماء شعراء العامية المصرية، لتفوز بها أسماء مثل: أحمد عبد المعطى حجازي وعبد الرحمن الأبنودي، بل وتفوز بها كذلك أسماء مبدعين في مجالات تتجاوز شعر العامية المصرية، إلى رسامي الكاريكاتير وكتاب السيناريو والمخرجين السينمائيين والتلفزيونيين مثل: مصطفى حسين وأسامة أنور عكاشة ويوسف شاهين وعلي بدرخان.. وما أكثر الأسماء التي أدرك الموت أصحابها - وهو من بين موانع الترشيح - قبل أن يدركهم الترشيح أو الفوز بالجائزة، مع أنهم كانوا يستحقونها عن جدارة، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر، الشعراء أمل دنقل وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم.. أما المفاجأة الثانية والأكثر أهمية فهو أن نتيجة التصويت على ترشيح سمير خفاجي للجائزة، قد أسفرت عن حصوله على ثلثي عدد الأصوات منذ الجولة الأولي، مما أتاح له الفوز بالجائزة، دون حاجة إلى الجولات الثلاث الأخرى، وهو ما أكد لي أن لجنة التحكيم - التي تتكون من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة - كانت تعاني - مثلي - الشعور بأن هناك خطأ لا بد من تصحيحه، ولا مفر من الاعتذار عنه.

ذلك خطأ تكفي قراءة عابرة للفصول التي نشرت من مذكرات سمير خفاجي لندرك أنه كان الوحيد بين أفراد جيله، الذي تنبه - في وقت مبكر - منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، إلى الفراغ الذي ظل يتمدد في المسرح الكوميدي المصري، منذ رحيل نجيب الريحاني عن الساحة في 1949، وتوقف فرقة إسماعيل ياسين المسرحية بعد وفاة مؤلف مسرحياتها ومديرها الإداري أبو السعود الإبياري.. واكتشف أن هناك جيلاً جديداً بازغاً من نجوم الكوميديا في التأليف والتمثيل والإخراج، بعضهم لا يزال في أول الطريق، والآخر قطع شوطاً فيه، من بينهم: عبد المنعم مدبولي ويوسف عوف وفؤاد المهندس وأمين الهنيدي ومحمد عوض وعادل إمام وسعيد صالح وحسن مصطفى وصلاح السعدني وشويكار ونبيلة السيد وسيد زيان وأحمد زكي ويونس شلبي.. إلخ، جمعت بين معظمهم خشبة المسرح الجامعي ثم برنامج إذاعي شهير هو ساعة لقلبك كان يقدم استشكات ضاحكة.

ومع أن دور سمير خفاجي اقتصر في البداية على التأليف، إلا أنه كان الوحيد من بينهم الذي يملك، فضلاً عن ذلك، موهبة التنظيم والإدارة، التي قادته إلى الإصرار على أن يصنع من هذا الخليط من المواهب الجديدة، فرقة مسرحية لا تقتصر على تقديم الاسكتشات الضاحكة، بل يقودها الطموح إلى محاولة إحياء المرحلة الذهبية في تاريخ المسرح الفكاهي والاستعراضي بين بداية ومنتصف القرن العشرين، وهي المرحلة التي لمعت خلالها أسماء نجيب الريحاني وبديع خيري وعلي الكسار وأمين صدقي وعزيز عيد وفوزي الجزائري وبشارة واكيم وعشرات غيرهم.

وعلى الرغم من العقبات الكثيرة التي واجهته، وقادته إلى الإفلاس أكثر من مرة، فقد أصر سمير خفاجي على مواصلة الطريق، فقدم مسرحيات استمر عرض بعضها ما يقرب من عشر سنوات دون انقطاع، ووضعت تحت دائرة الضوء نجوماً لا تزال تضيء سحب الهموم التي تحيط بنا من كل جانب، بما تفجره - حتى بعد رحيل بعضها عن الدنيا - من ضحكات.. ولعل عدم إدراكنا لأهمية الضحك في حياتنا، هو الذي حال بيننا وبين تقدير الدور المهم الذي لعبه سمير خفاجي في تاريخ المسرح العربي، ولعل تكاتف الهموم من حولنا، هو جعلنا ندرك أننا اليوم في حاجة - أكثر من أي وقت مضى - إلى أمثاله، وأن الطريق إلى ذلك يبدأ بتصحيح خطئنا القديم في حقه، والاعتذار عنه ولم يكن أمامنا سوى وسيلة واحدة لذلك، هي أن نمنحه أصواتنا ونساند حقه في الحصول على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، بعد ربع قرن من استحقاقه لها.