تحضير لإعدام ثلاثة أشخاص في غزة.(أرشيف)
تحضير لإعدام ثلاثة أشخاص في غزة.(أرشيف)
الخميس 6 يوليو 2017 / 20:20

محاكمات غزة وملف المصالحة ودور الممثل الشرعي والوحيد

المطلوب، في الأقل، توثيق هذه المحاكمات والقائمين عليها ومنفذي الأحكام وسلسلة المتورطين فيها، من لحظة الاعتقال مروراً بالتحقيقات وأساليبها وحتى لحظة تنفيذ الحكم

ببساطة ودون مقدمات، لا يحق لأي فصيل أو قوة سياسية أو منظمة غير حكومية أو حزب أو أي إطار سياسي أو مجتمعي، أن يعقد محاكمات ويصدر أحكاماً وينفذ إعدامات.

هذه جرائم ترتكب بحق المجتمع ومؤسساته، ولا ينبغي السكوت عليها أو تمريرها تحت يافطات من نوع "إنهم عملاء وخونة" ويستحقون القصاص، ليست حماس أو أي فصيل آخر، مثلاً، من يقرر صفتهم ومصيرهم.

الاستنكار، أيضاً، لا يكفي هنا، المطلوب، في الأقل، توثيق هذه المحاكمات والقائمين عليها ومنفذي الأحكام وسلسلة المتورطين فيها، من لحظة الاعتقال مروراً بالتحقيقات وأساليبها وحتى لحظة تنفيذ الحكم، والاحتفاظ بكل شيء إلى حين تبدل الظروف التي لا تسمح بالمراجعة، ومن ثم المحاسبة الحقيقية القائمة على الحقوق.

هل يبدو هذا دفاعاً عن "عملاء وقتلة"؟

الحقيقة أنني أراه دفاعاً عن عقد اجتماعي يجري تجاهله والقفز عنه دون توقف، وعن حقوق مهدورة لمواطنين/ات، وأحكام تنشأ خارج المؤسسة الشرعية للقضاء، وخارج الاتفاق الاجتماعي، مع احتفاظي بحقي المشروع في رفض فكرة الاعدام سواء جاء تحت يافطة ثورية أو مدنية، أما إطلاق مصطلحات من نوع "القضاء الثوري" على عملية فصائلية فهو لن ينقذ هذا الفصيل من شبهة القتل، ويذكر بقوة بمصطلح "الحسم العسكري" الذي أطلق على عملية "الانقلاب" في غزة ومسلسلات القتل التي سبقته ومهدت له والتي رافقته وتبعته وما زالت تتدحرج، تحت صيغ مختلفة، إلى الآن.

أحد "العملاء" الذين جرى إعدامهم أخيراً في غزة، اتضح أنه كان عضواً ناشطاً في الجناح العسكري لحماس، قبل وأثناء وبعد الانقلاب، وفي مراجعة لسيرته أثناء نشاطه في صفوف "المقاومة"، يتبين أنه قام بقتل/اعدام عشرات من الشباب والمناضلين من أجهزة الأمن في السلطة الوطنية والحرس الرئاسي وحركة فتح، دون أن يتعرض للمساءلة إلى حين اغتيال الشهيد "مازن الفقها"! ألا يثير هذا الأمر شيئًا من الاستغراب، أو الدهشة السوداء!

بطاقات الدعوة والدخول التي جرى توزيعها على الراغبين في مشاهدة عملية الإعدام، كانت فكرة مريعة ومثيرة للاشمئزاز، ولكنها تبدو منسجمة مع السياق نفسه القائم على تحقيقات سريعة في غرف مغلقة، واعترافات وأدلة، ثم الاعلان عن الحكم وتنفيذه بسرعة قياسية، كل هذا مصحوباً بمدائح لفطنة وجاهزية و"عبقرية" الأجهزة التي توصلت إلى القتلة في زمن قياسي.

هذا ينطبق على تلك البلاغات المقتضبة حول "الاستشهاد" أثناء تأدية الواجب، أو وهو في مهمة "جهادية"، حيوات كثيرة يجري تخطيها ودفن مصائرها تحت هذه الشعارات البلاغية، أو أغلفة "المقاومة".!

لست في معرض نفي التهم أو إثباتها، هذا شأن آخر تماماً، ولكنني أفكر بحقوق المواطنة، ومسؤولية السلطة ومنظمة التحرير تجاه مواطنيها، في غزة والضفة والشتات، وهذا يشمل، دون شك، المعتقلين في السجون العربية، النظام السوري على وجه الخصوص، حيث يموت االفلسطينيون تحت التعذيب دون صوت أو سؤال أو احتجاج.

ثمة قنوات كثيرة ديبلوماسية وإعلامية لإثارة مثل هذه القضايا والدفاع عن مصائر الفلسطينيين وبناء الثقة بينهم وبين "ممثلهم الشرعي والوحيد"، كما نواصل القول بلا انقطاع، ومنحهم ذلك الإحساس الضروري بأن ثمة من يدافع عنهم ويفكر بهم.

هذا ينطبق على الكهرباء وحرية التعبير و يصب في جهود المصالحة المجتمعية التي يبدو أن ملفها قد تحرك أخيراً.

المصالحة المجتمعية التي انتظرت عشر سنوات طويلة بكل ما في الملف من أسى وقهر ومغالبة، والتي لن تتحرك عربة استعادة الوحدة دون انجاز ملفها والأهم عدم إضافة قضايا راهنة لهذا الملف.