الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك.(أرشيف)
الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك.(أرشيف)
الأحد 9 يوليو 2017 / 20:12

إسلام ويلبيك

ما أضافه خيال ويلبيك هو تنبؤه بقوّة مسلمة، هي الأخوّة المسلمة. هذه القوّة تصل إلى ناصية السلطة بقيادة زعيمها محمّد بن عباس الّذي يتسنّم الرئاسة

"إستسلام" الكلمة الّتي إختارها شكير نصر الدين عنواناً لرواية الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك الجديدة مقابل الكلمة الفرنسيّة "سوميسيون" (دار الجمل2017)، تكاد أن تكون حكماً أو ما يشبه الحكم، ليس هذا ما يجعلها ملتبسة فحسب، بل ما تدعّيه من حكم لا يتمتّع بدقّة وحدود نفترضها للحكم. هنا لانفرّق بين الحكم وبين التعليق، بل بينه وبين المزاح. استسلام أوإذعان بحسب الرواية ومخيالها لانتصار الإسلام واستلامه السلطة في فرنسا، بحيث لايجد البطل مفرّا من النطق بالشهادتين وإعلان إسلامه. ليس ويلبيك نصيراً للإسلام فماضيه مدموغ بخلاف ذلك، روايته الأخيرة لم تغفل عن ذلك.

إنّنا أمام رواية للخيال السياسي، إذا جازت التسمية، وكان ويلبيك سباّقا إلى التنبؤ بانهزام اليمين واليسار معاً أمام الجبهة الوطنيّة كما حدث في السباق الرئاسي الفرنسي بالفعل.

لكنّ ما أضافه خيال ويلبيك هو تنبؤه بقوّة مسلمة، هي الأخوّة المسلمة. هذه القوّة تصل إلى ناصية السلطة بقيادة زعيمها محمّد بن عباس الّذي يتسلم الرئاسة. لا تغفل الرواية عن الإشادة بثقافته وفكره اللذين يصلان إلى مصاف العبقريّة. ويلبيك الّذي يصف زعيماً معروفاً كبايرو بالبلاهة ولا يرحم الطبقة السياسيّة، يسارها ويمينها، ويطلق على زعمائها أكثر النعوت ازدراء واستصغارا، لايردّ انتصار الأخوّة المسلمة إلى انحطاط الوضع السياسي وتعفنّه. لايرى فيه عودة إلى زمن الغابات وإلى عصرالجمال، ولا إلى العنف ما قبل السياسي. ليس ما حدث غزواً للبوادي أو رجوعاً إلى الخلف. إنّها إرادة التاريخ ومساره المفهوم والطبيعي. ليس هذا إسلام الصحراء، بل ينبع من التراث العالمي والأوروبي بخاصّة. إنه إسلام الغرب نفسه، وهو يواصل مساراً يضمّ نيتشه وشبنغلر وتوينبي بقدر ما يضمّ أقطابه ومؤسسيه.

"استسلام" رواية عن مثقف وأكاديمي نموذجي انشغل سنوات بالبحث في أعمال كاتب هو جوريس كارل ويسمانس يستهّل الرواية باستشهاد منه، يستحق التفاتة فهو يتحدّث عن قلقه الديني، ولا نستطيع إلاّ أن ننتبه إلى أن هذا قريب من موضوع الرواية الذي ليس بعيداً عن الدين . عدا غرام المثقّف بمريم اليهوديّة لا نجد للرواية موضوعاً، سوى الصراع السياسي في فرنسا، صراع ليس بعيداً عن الدين. السباق الرئاسي يحمل إلى الصدارة الجبهة الوطنيّة كما حدث فعلاً، لكنّ الخيال الروائي يضيف إليها "الأخوّة المسلمة" أي التنظيم الإسلامي كما يدلّ اسمه. هذه البداية تستثير خوف المثقف من الإسلام وسمعته الجهاديّة ممّا يدعوه إلى الهرب داخل فرنسا، ويدعو صديقته اليهوديّة للسفر إلى إسرائيل. يفوز محمد بن عباس مرشّح "الأخوّة المسلمة" وتلوح بوادر حرب أهليّة سرعان ما تنطفئ، ويستقرّ الوضع للدولة الجديدة الّتي تحمل الرخاء والنمو معها.

هكذا نفكر بإسلام متمخض عن التجربة الأوروبيّة، إسلام يتغذى من زهرة هذه التجربة ويجدّد حيويتها ويستلم مشعلها. مثقفو هذا الإسلام هم من سلالة نيتشه وشبغلنر وتوينبي وهم يواصلون الإرث الروماني واليوناني والمعاصر، أي الإرث العالمي الذي يجد فيهم امتداده. ليس الإسلام واحداً، رواية ويلبيك تعدّده. إسلام محمد بن عباس ليس إسلام الجهاديين الذين لا يوفّر محمد بن عباّس سخريته منهم، ولا هو إسلام اليساريين الذين اقحموا التروتسكيّة في الإسلام. يمكنناأن نفهم من ذلك أنّنا أمام إسلام مختلف.

 يستشهد دريدج بتوينبي الّذي يقرّر أن الحضارات لا تموت إغتيالاً ولكنّها تنتحر ويعقّب "أوروبا هذه الّتي كانت أوج الحضارة الإنسانيّة انتحرت حقّاً وحقيقة في غضون بضعة عقود. هكذا يسير ويلبيك في خط "تدهور الغرب" و "سقوط الحضارة الغربيّة. لقد كان محمّد بن عباس عبقرياً بحسب دريدج لأنّه لم يرجع إلى الاقتصاد بقدر ما رجع إلى القيم، لكن هل يعني هذا أن الإسلام الغربيّ هو الجواب. نفهم هذا من كلام دريدج لكن المثقف الذي انتهى بأن أسلم وإنضم إلى دولة الإسلام لا يجهر بأفكار من هذا النمط، بحيث نبقى نفكّر بأن إسلامه كما يوحي عنوان الرواية إستسلام ليس إلا. هل الإسلام هو الجواب على تدهور الغرب ام أنّه يقوى بفضل هذا الإنحطاط، العنوان لا يقرر شيئاً.