ألقاب شعبية.(أرشيف)
ألقاب شعبية.(أرشيف)
الإثنين 10 يوليو 2017 / 20:12

حاج.. ودكتور أيضاً!

أشعر أحياناً بالرغبة في كتابة اسمي على قميصي ليعرف هؤلاء أنني رجل بلا ألقاب، مواطن مجرد من اللقب، كائن خالي من الوجاهة

يصر زميلي الستيني الذي يعمل معي في القاهرة على مخاطبتي بلقب دكتور، وقد يئست من محاولة إقناعه بأنني لست دكتوراً ولا استحق اللقب خاصة وأنني نجحت بشق الأنفس في امتحان الثانوية العامة وتوقف تحصيلي الأكاديمي عند دبلوم في الإدارة. لكن ذلك لا يعني شيئاً للزميل الذي يعتقد بأنني أستحق اللقب بجدارة لمجرد أنني مسؤول في العمل عن عدد من الزملاء الذين حصلوا على الدكتوراه وأصبحت أسماؤهم مسبوقة بحرف الدال والنقطة.

أما صاحب محل البقالة القريب من بيتي، فإنه يصر على مخاطبتي بلقب حاج، وذلك لأنه لا يليق بمن تجاوز الستين واشتعل رأسه شيباً ألا يكون حاجاً، بحسب الرجل الذي يحرص على وجاهته المكتملة بكرش متدلٍّ فوق الحزام وشيشة لا يفارق مبسمها فمه طيلة النهار وجزء من الليل.

آخرون، ومن باب اللياقة وإظهار الود، يطلقون علي لقب باشمهندس، رغم أنني انتقلت من الفرع العلمي إلى الفرع الأدبي في الدراسة الثانوية بسبب رسوبي المتكرر في الرياضيات، ولا أستطيع حتى الآن أن أفهم العلاقة بين قلم الرصاص والمسطرة الصغيرة والمنقلة والفرجار وبناء الجسور المعلقة والأبراج السكنية.

أعترض على هذه الألقاب الممنوحة لي بلا مبرر، لكنها لا تزعجني مثل ألقاب مستفزة أخرى يطلقها علي أشخاص يسمونني "باشا" أو "نجم" أو "كابتن" أو "معلم". وأشعر أحياناً بالرغبة في كتابة اسمي على قميصي ليعرف هؤلاء أنني رجل بلا ألقاب، مواطن مجرد من اللقب، كائن خالي من الوجاهة.

لم أحب يوماً أن يكون اسمي مسبوقاً بكلمة، وكانت تزعجني الرسائل الرسمية التي تسميني "السيد"، ويغيظني موقف البنك الذي يصر على أنني "عميل"، كما تستفزني كلمة "ضيف" في فندق يفرغ محفظتي مقابل سرير في غرفة صغيرة!

من قبيل الصدفة أن يكون اسمي ذا معنى، وأن تكون له دلالة الحب الذي يفترض الرومانسيون أنه يسكن في القلب. لكنني، رغم ذلك تخليت عن هذا الاسم مجبراً لأحمل اسماً حركياً في مرحلة العمل الحزبي السري، وقد كان اسمي الحركي عادياً ومألوفاً وليس من أسماء "الأبوات"، وبعد أدائي لواجباتي النضالية التي لم تحرر فلسطين ولم ترفع من شأن الطبقة العاملة ولم تحقق دكتاتورية البروليتاريا عدت إلى اسمي الحقيقي لأحاول أن أعيش حياة طبيعية هادئة، فما كان من أقاربي وجيراني وأصدقائي الجدد إلا نسيان اسمي ومنحي لقباً جديداً، لكنه أصيل وليس حركياً، وهو "أبو أيمن"، وأيمن هو ابني الذي غبت عنه فترات طويلة في طفولته "لأسباب نضالية"!

أذكر هذه التفاصيل بوضوح، لكنني لا أستطيع أن أتذكر متى بالضبط أصبحت دكتوراً ومن أي جامعة تخرجت، ولا أعرف حتى الآن إن كنت طبيباً أم حائزاً على درجة الدكتوراه في التاريخ أو الأنثربولوجي مثلاً، كما أنني لا أذكر كيف أصبحت حاجاً ومتى أديت الفريضة، ناهيك عن حيرتي أمام كيفية تحولي إلى باشا أو كابتن أو نجم!

أفكر في الأمر وأستقر على قبول هذه الألقاب باعتبارها نفاقاً اجتماعياً، أو تكريماً وتعبيراً عن الاحترام رغم عدم استحقاقي لها، ففي بلادنا تمنح الألقاب الكاذبة كما تمنح الأدوية الشعبية.. بلا "روشتة".

وأكتشف أن هذه الألقاب ضرورية لتمرير المعاملات الرسمية دون الاضطرار للوقوف في طوابير الانتظار، وهي أيضاً ضرورية للمشاركة في المناسبات الاجتماعية التقدمية كالجاهات العشائرية ووساطات الصلح بين المتخاصمين ودعوات الغداء والعشاء التي تقام على هامش المناسبات السعيدة والحزينة.

وأخيراً، أعترف بأنني مقتنع بكوني دكتوراً وحاجاً أيضاً رغم أنني لم أدرس الطب ولم أؤد الفريضة.. فأنا أنتمي إلى وطن كبير فيه الكثير من "الرؤساء"!