الكوميدية ميسون زايد.(أرشيف)
الكوميدية ميسون زايد.(أرشيف)
الجمعة 14 يوليو 2017 / 20:06

لنتحدث عن القطة بيونسيه!

أيعقل أن تكون التسلية و "الفُرجة" المحضة هي مبتغاهم من حضّنا على عرض مشاكلنا، وسرد عذاباتنا، والتعبير عن أزماتنا الوجودية وسط "التايملاين"؟

جلست ميسون زايد، الكوميدية المصابة بالشلل الرباعي، على مسرح مؤتمر "تيد"، وأعلنت، "لو كانت هناك دورة أولمبية للاضطهاد، لحصدت ميداليتها الذهبية. فأنا فلسطينية، مسلمة، أنثى، معاقة، والأدهى من ذلك، أقطن في نيوجيرسي".

أتصوّر أن أغلبنا قد شاهد تلك الخطبة منذ بُثت في 2014، وتلوّى ضاحكا عليها. ومن لم يفعل، بل ولا يعرف من هي ميسون، فسيكفيه الاقتباس السابق لفهم حجم القضايا التي تحملها بطلة هذا المقال. إنها تمسك بالميكروفون، فتلطّخ بنكاتها السوداوية محتلاً فاشياً من هنا، وتعرّف بامرأة مسحوقة من هناك، وتنافح عن ضحايا الإسلاموفوبيا، حتى السيخ الذين عوقبوا بجريرة عمامة بن لادن.

ولهذا، حين سُئلت ميسون زايد في مقابلة حديثة لها عن أقرب هذه القضايا إلى قلبها، لم تشر إلى بشرتها القمحية، أو الإعاقة التي حرمتها المشي حتى بلغت الخامسة.
أجابت: "أحياناً، كل ما أريد فعله هو التحدث عن قطتي التي أسميتها بيونسيه".

صدقوني، لا أمانع أن أجلس لأضحك على مونولوج تلو الآخر عن قطتها تلك، لعلني أجد في قدرتها على السخرية من ذاتها سر أولئك الذين يفتشون في وسائل التواصل الاجتماعي عن "الطرح الهادف"، وأفهم ما الذي "يهدفون" هم إليه على وجه التحديد.

أيعقل أن تكون التسلية و"الفُرجة" المحضة هي مبتغاهم من حضّنا على عرض مشاكلنا، وسرد عذاباتنا، والتعبير عن أزماتنا الوجودية وسط "التايملاين"؟ أيعقل أن يتابعوا عبر هواتفهم الذكية معضلتنا كما يحدّق المرء منهم في محاولة الممثل للنفاذ من آلة التعذيب في أفلام "سو"؟ هل عدنا –بشفافيتنا وجرأة طرحنا وعلو أصواتنا وحماستنا- أكثر من فئران مسلية؟

بينما لا أستطيع الجزم بنواياهم، سأبث أمنيتي لنا- نحن الذين نعتقد بأننا ننافس ميسون في أولمبياد الاضطهاد- ألا نحكم على كل أولئك المنشغلين بالتحدث عن قطتهم بيونسيه، أولئك الذين نصمهم تعالياً بأصحاب "الطرح التافه"، ونعيب عقولهم "الخاوية".

لمواقع التواصل الاجتماعي خاصية عجيبة توهمنا بأنه يجب أن يكون لنا موقف من كل شيء، وتوهم متابعينا بأنهم يجب أن يعرفوه. وبالطبع، من حقنا جميعاً أن نضع آراءنا وتوجهاتنا في واجهة حساباتنا.

ولكن ذلك أشبه بالقول إنه حين تقف متحدثة كميسون زايد تحت الإضاءة، فلا تتحدث عن قضاياها الشائكة، فهي "تنسى" الشلل الذي ترتعش بسببه في كل لحظة، أو تمارس حياداً قميئاً حول فلسطين، أو تتأبط خوفها من مواجهة العنصريين.

"القطة بيونسيه" لم تكن ترخيصاً من ميسون لأصحاب القضايا بالتخاذل أو التجابن، وهي قطعاً لا تُمارس أياً من ذلك في كل مرة تعتلي فيها المسرح. ولكن النضال جزء من هوياتنا، وكياننا، وذواتنا، وليس جزءاً من عرض ما يصادق المتلقون على حقيقته وجديته، ويثنون على جودته الترفيهية.

هونوا على أنفسكم، فبئس الجمهور ذلك الذي سينهض متذمراً حين يدفعنا التعب للحديث عن قطتنا بيونسيه.