مخلفات القصف في جنوب سوريا.(أرشيف)
مخلفات القصف في جنوب سوريا.(أرشيف)
الأحد 16 يوليو 2017 / 15:17

هدنة جنوب غرب سوريا...مكاسب آنية تمهد للتقسيم

تعليقاً على دخول اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا حيز التنفيذ يوم الأحد الماضي، والذي تم التفاوض عليه بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، كتب روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، في مجلة "ذا اتلانتك"، أن هذا الاتفاق محكوم عليه بالفشل؛ إذ يجعل من روسيا شريكاً ولاعباً رئيسياً وبالكاد يعترف بدور إيران في الحرب، فضلاً عن أنه ينطوي على نقاط ضعف مثيرة للقلق.

تفعيل عملية وقف إطلاق النار وتوسيع نطاق الاتفاق سيجعل سوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع وتهيمن عليها فصائل مختلفة

ويشير فورد أنه كالمعتاد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تغريدة على موقع توتير "أن الوقت قد حان للعمل بشكل بناء مع روسيا"، ولكن يبدو أن موقف الأعضاء الآخرين في إدارته أقل تفاؤلاً؛ حيث أعرب مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية بحذر خلال مؤتمر صحفي يوم 7 يوليو ( تموز) الجاري "أن هذا الاتفاق سيكون قاصراً على جنوب غرب سوريا، وأنه معرض لانهيار مثل المحاولات السابقة، كما نشرت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية مؤخراً أن "الكثير من تفاصيل الاتفاق الرئيسية لم تُعلن بعد".

نقاط ضعف
وعلى الرغم أن الخطة الجديدة توفر بعض المزايا، فإنها في الوقت نفسه تنطوي على نقاط ضعف مثيرة للقلق. وبموجب الاتفاق يتعين على القوات الموالية للنظام السوري والقوات التابعة للمعارضة المعتدلة التي اندمجت في الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر الالتزام بوقف القتال، ولن يتم السماح بوجود المقاتلين الأجانب، بما في ذلك القوات المدعومة من إيران، بالقرب من الحدود السورية. ومن ثم فإن المساعدات الإنسانية سوف تتدفق إلى المنطقة وسيتم السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم.

ولكن من أجل تأمين تلك الأمور، جعل ترامب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شريكاً له، بل واعتمد عليه في أمرين: أولهما وقف سفك الدماء في جميع أنحاء سوريا، وثانيهما الوساطة للتوصل إلى تسوية سياسية والتي لا يمكن أن تحدث من تلقاء نفسها. وعلاوة على ذلك فقد تجنب هذا الاتفاق إيران، وهذا يعني تجاهل الحقائق الواقعية وضمان معارضة طهران لهذه الصفقة المحدودة، ومن شأن هذه الإستراتيجية، بحسب فورد، أن تحقق بعض الفوائد على الأمد القصير، ولكنها لن تعالج إشكالية سوريا الكبرى التي تهدد استقرار الشرق الأوسط.

مكاسب صمود الاتفاق
وينوه فورد إلى أن صمود اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا من شأنه أن يقود إلى العديد من المكاسب الإنسانية الفورية والمساعدة على تجنب تشريد المزيد من اللاجئين السوريين ونزوحهم إلى الأردن، وربما يسمح لأكثر من 600 ألف لاجئ سوري (المسجلين في البلاد من المناطق التي تشملها الصفقة) بالعودة إلى ديارهم، والأهم من ذلك أنه قد يسفر عن تركيز الحكومة السورية وقوات الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر على دحر قوات داعش الموجودة قرب مرتفعات الجولان، وهي النتيجة التي يسعى إليها الأمريكيون والأردنيون.
  
ويحذر فورد أيضاً من احتمالية قيام النظام السوري بنقل قواته إلى ضواحي دمشق لاستعادة المدن القليلة التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وبخاصة لأن الاتفاق الجديد لا يشمل تلك الضواحي، مما يقود إلى المزيد من القتال وتهجير الآف المدنيين وقتلهم.

اتهامات متبادلة

ولكن التحدي الجوهري الذي يواجه هذا الاتفاق، برأي فورد، يتمثل في إجبار اللاعبيين الرئيسين على الالتزام به واحترام شروطه الأساسية؛ ففي مناطق مثل حلب انهارت اتفاقات الهدنة التي أعلنتها الولايات المتحدة وروسيا خلال شهري فبراير(شباط) وسبتمبر (أيلول) للعام 2016، وفي أعقاب تلك الاخفاقات تتبادل الحكومة السورية والمعارضة الاتهامات بأن الجانب الآخر قد انتهك الاتفاق.

 ولذلك فإن وجود قوى ذات مصداقية لرصد ومتابعة تنفيذ الاتفاق يعد من الأمور البالغة الأهمية لضمان وقف الأعمال القتالية. وبينما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم 6 يوليو (تموز) الجاري أن الشرطة العسكرية الروسية ستراقب هذا الأمر، فإنه لم يمكن التوصل إلى اتفاق بعد.

أهداف متناقضة
ويلفت فورد إلى أن طبيعة هذا الاتفاق تعكس قصوراً في إدراك أهداف الأطراف المعنية، فخلافاً لما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من أن موسكو وواشنطن لديهما هدف مشترك في سوريا، يشدد فورد على اختلاف الهدف بين الطرفين؛ إذ تسعى واشنطن (منذ عام 2014) إلى دحر داعش وتعتبر أن رحيل الأسد عن السلطة ليس أولوية عاجلة، بينما سعت موسكو على النقيض من ذلك إلى تعزيز موقف الأسد ضد الضغوط المحلية والدولية، ورفضت محاسبة نظامه على استخدام الأسلحة الكيماوية أو إدانته لجرائم الحرب التي تشمل الهجمات العشوائية ضد المدنيين واستهداف المستشفيات وقوافل المساعدة. وفي التحليل الروسي، جميع الطرق المؤدية إلى الاستقرار في سوريا تمر عبر الأسد. وحتى إذا عرفت موسكو أن نظام الأسد ينتهك وقف إطلاق النار، فإنها لن تعاقب دمشق لتغيير سلوكها، فهي لا ترغب في زعزعة استقرار دمشق أو إيذاء سمعتها كحليف موثوق فيه.

غموض الموقف الإيراني
ولكن إيران تُعد القضية الأكثر أهمية والتي لا تزال غامضة من وجهة نظر فورد الذي يوضح أن استمرار هذا الاتفاق سوف يساعد على تهدئة المخاوف الأمنية لكل من إسرائيل والأردن (حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين) إزاء توسع النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، لاسيما أن حركة النجباء (الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران) أعلنت في شهر مارس (آذار) الماضي أنها ستتحول إلى محاربة إسرائيل بمجرد هزيمة المعارضة السورية.

ويضيف فورد أن مكاسب إيران من صفقة الاتفاق الجديد لا تزال غير واضحة؛ إذ لم تكن طهران، شأن الحكومة السورية نفسها، طرفاً في هذه المفاوضات، ولذلك ردت بحذر. وإيران هي مصدر الدعم الأكبر للأسد وليست روسيا، وهذا الدعم يقوض نفوذ روسيا على الأسد. وتطمح إيران إلى أن يستعيد الأسد سيطرته على جميع أجزاء سوريا، ومع الاخذ في الاعتبار بتهديدات الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، فإن هناك المزيد من المقاتلين الشيعة العراقيين الذين لديهم استعداد لخوض المعركة في سوريا، وبالطبع احترام صفقة اتفاق وقف إطلاق النار لا يتناسب مع هذا المخطط.

لا نفوذ لروسيا على إيران والأسد

ويعتبر فورد أن الدور المحوري لإيران في سوريا يسلط الضوء على القصور في المفاوضات التي أبرمت الصفقة الجديدة، ففي حقبة الحرب الباردة، كان بإمكان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (بفضل قوتهما العسكرية) تحديد نتيجة "حروب التحرير" إلى حد كبير في البلدان النامية، ولكن هذا الأمر لن يفلح الآن في سوريا لأن الروس غير صادقين ويفتقرون إلى النفوذ اللازم للضغط على إيران والنظام السوري لإجبارهم على احترام وقف إطلاق النار، ولهذا السبب حرص الروس على أن تكون إيران شريكاً في محادثات كازاخستان حول سوريا بينما جعل الأمريكيون دورهم قاصراً على المراقبة وليس التفاوض.

تقسيم سوريا
ويختتم فورد قائلاً: "تخاطر الولايات المتحدة بضياع دورها في تشكيل معالم سوريا المستقبلية، وبينما يؤكد تيلرسون على حتمية استقرار البلاد لمنع صعود داعش مجدداًٍ، فإن تفعيل عملية وقف إطلاق النار وتوسيع نطاق الاتفاق سيجعل سوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع وتهيمن عليها فصائل مختلفة: حكومة الأسد والأكراد السوريون والعرب السوريون (التقسيم كلمة مكروهة في الشرق الأوسط)، وعلى هذا النحو ستكون سوريا المقسمة، والمحاطة بجيران مضطربين، غير مستقرة وغارقة في محادثات سلام لا نهاية لها؛ مثل محادثات السلام التي جرت في جنيف، وسيواصل نظام الأسد المدعوم من إيران استعادة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة".
ويخلص فورد إلى أنه في ظل هذا السيناريو، سوف يغذي استياء المجتمعات السنية العربية (التي سهلت انتشار داعش والقاعدة في سوريا منذ 2011) تدفق المجندين إلى الأشكال الجديدة للجماعات الإرهابية، ومن ثم فإن اتفاق وقف إطلاق النار له أبعاد إيجابية ولكنه لا يساهم في منع تفكك الشرق الاوسط.