مقاتلون من الحشد الشعبي على الحدود العراقية-السورية.(أرشيف)
مقاتلون من الحشد الشعبي على الحدود العراقية-السورية.(أرشيف)
الإثنين 17 يوليو 2017 / 15:32

هكذا سيطرت إيران على العراق

24- زياد الأشقر

في تحقيق من بغداد، كتب تيم آرانغو في صحيفة "نيويورك تايمز": "إذا ذهبت إلى أي سوق في العراق تشاهد أن الرفوف مليئة بالبضائع الإيرانية-من الحليب واللبن إلى الدجاج. وإذا شغلت جهاز التلفزيون ترى قناة تلو قناة تبث برامج فيها تعاطف مع إيران. وإذا شاهدت بناءً يرتفع، فإن إسمنته وحجارته تكون من إيران. وعندما يتناول الرجال العراقيون حبوباً منشطة، من المحتمل أن يكون مصدر هذه الحبوب غير الشرعية الحدود غير المضبوطة مع إيران".

بعد نصر سريع في ديالى عمل الإيرانيون ووكلاؤهم على تأمين مصالحهم، وهمشوا سنّة المحافظة وعملوا على تأمين طريق إلى سوريا

 وفي طول البلاد وعرضها، يقول أرانغو إن الميليشيات التي ترعاها إيران تعمل بكد لإقامة ممر لنقل الرجال والسلاح إلى قوات وكيلة في سوريا ولبنان. وفي قاعات السلطة في بغداد، حظي أرفع مسؤولي الحكومة ببركة القيادة في إيران.

الغزو الأمريكي
وذكّر أنه قبل 14 عاماً عندما غزت الولايات المتحدة العراق لإطاحة صدام حسين، كانت ترى في العراق حجر الأساس لشرق أوسط ديموقراطي ذي وجه غربي، ودفعت ثمن ذلك دماء 4500 جندي أميركي وأكثر من تريليون من الدولارات. ولكن مذذاك، رأت إيران أمراً آخر: فرصة لجعل العراق دولة عميلة بعدما كان عدواً سابقاً قاتلته في حرب في الثمانينات استخدم فيها السلاح الكيماوي وحرب الخنادق ويشبهها المحللون بالحرب العالمية الأولى. وإذا نجحت إيران في ذلك، فإن العراق لن يشكل بعد اليوم أي تهديد لها، لا بل سيشكل منصة لإنطلاق النفوذ الإيراني في أنحاء المنطقة.

إيران ربحت
وفي هذا السياق، يرى أرانغو أن إيران هي التي ربحت والولايات المتحدة هي التي خسرت. وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة، ركز الأمريكيون على المعركة ضد داعش في العراق وأعادوا خمسة آلاف جندي إلى العراق وساعدوا بغداد على إخراج المتشددين من الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية. لكن إيران لم تحرف النظر مطلقاً عن مهمتها وهي الهيمنة على جارها العراق كلياً بحيث لا يعود يشكل أي خطر عسكري عليها، وكي تستخدمه بفعالية في إنشاء ممر من طهران إلى البحر المتوسط. ويقول السياسي الكردي العراقي هوشيار زيباري إن "النفوذ الإيراني مهيمن" في العراق. ويضيف وزير المال السابق الذي أُعفي من منصبه العام الماضي إن طهران نددت بعلاقته مع الولايات المتحدة. واعتبر أن "هذا أمر بالغ الأهمية".

ولفت أرانغو إلى أن هيمنة إيران على العراق قد أججت التوترات الطائفية في المنطقة، مع استنفار الدول السنيّة الحليفة للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية، لمواجهة التوسع الإيراني. لكن العراق ليس سوى جزءاً فقط من المشروع التوسعي الإيراني، ذلك أن طهران استخدمت القوة الناعمة والقاسية لمد نفوذها إلى لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان وبقية المنطقة.

نفوذ منوّع
ولاحظ الصحافي أن النفوذ الإيراني في العراق في مرحلة الصعود فقط، لكنه متنوع، ويتراوح من الشؤون العسكرية إلى السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي بعض المعابر الحدودية في جنوب البلاد، فإن السيادة العراقية أمر محسوم. فالأوتوبيسات المليئة بالمتطوعين الشبان يعبرون إلى إيران من دون التدقيق في هوياتهم. إنهم يتلقون تدريباً عسكرياً قبل أن يطيروا إلى سوريا كي يقاتلوا تحت أمرة ضباط إيرانيين دفاعاً عن الرئيس السوري بشار الأسد. وفي التجاه المعاكس تمر شاحنات محملة بالبضائع الإيرانية، من الغذاء وحاجات ربات المنازل وأقراص غير شرعية، نحو السوق العراقية الحيوية.

سليماني
وبعدما اجتاح داعش محافظة ديالى المجاورة لإيران عام 2014، جعلت إيران أولويتها تطهير المحافظة التي تضم سنّة وشيعة. ونظمت قوة كبيرة من الميليشيات الشيعية، التي تلقى معظم عناصرها التدريب في إيران ويقدم لهم إيرانيون، المشورة على الأرض. وبعد نصر سريع عمل الإيرانيون ووكلاؤهم على تأمين مصالحهم، وهمشوا سنّة المحافظة وعملوا على تأمين طريق إلى سوريا. وتقاتل إيران بفاعلية لإبقاء الأسد في السلطة من أجل الحفاظ على ممر بري إلى حزب الله ،حليفها الأقوى الذي يهيمن على لبنان ويهدد إسرائيل. وأرسل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، جيشاً من المتعاقدين العراقيين وشاحنات وجرافات ساعدت علىتمهيد الطريق. وعملت ميليشيات موالية لإيران على تأمينه. ويدير سليماني سراً السياسة الإيرانية في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وكان مسؤولاً عن مقتل مئات الجنود الأمريكيين في هجمات نفذتها ميليشيا تعمل بأمرته. 

وأضاف أرانغو أن الأمر الخطير الذي حدث كان مصادقة مجلس النواب العراقي العام الماضي على جعل الميليشيات الشيعية جزءاً من القوات الأمنية العراقية. وهذا ما كفل تمويل هذه المجموعات التي تسيطر إيران على معظمها. وفي محاولة لمواجهة النفوذ الإيراني، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستحتفظ ببعض جنودها في العراق بعد هزيمة داعش. وعمل الديبلوماسيون الأمريكيون على دور القوات العراقية في القتال ضد داعش، وعلى تعويم رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يبدو منفتحاً على أمريكا اكثر منه على إيران.