قافلة لمقاتلي داعش في دير الزور.(أرشيف)
قافلة لمقاتلي داعش في دير الزور.(أرشيف)
الثلاثاء 18 يوليو 2017 / 20:00

داعش في الواجهة وقصد إيران من وراء قصد أمريكا

إيران تتجنب خوض معركة مع داعش، مثل تجنبها الاصطدام مع إسرائيل، على عكس ما تُعلن حسب نظرية "الممانعة"

إيران لا تربط وجودها في سوريا بأي اتفاقات إقليمية، أو دولية. ولا يربط داعش وجوده بنجاة "الخليفة"، أو موته، على الرغم من أن البغداي مختفٍ، ولم يصدر عن التنظيم ما يفيد بتغيير خططه، أو "خارطة طريقه إلى روما".

النظام الأسدي يقف على الحياد في ما يتعلق بالسياسة، بل وفي ما يتعلق باستراتيجية الحرب على سوريا، ليتلقى الأوامر والإشارات من روسيا الحريصة على رضا أمريكا، ومن ورائها إسرائيل.

سوريو المعارضة الفاشلون، قسراً، في السياسة والحرب، لا يُكثرون حتى من إطلالاتهم الإعلامية رفضاً لـ"التدخل الروسي والإيراني" في المسألة السورية، ولمحاولات تعويم النظام، ودفاعاً عن المبدأ الأساسي الذي برر انطلاق الثورة السورية، بإزالة نظام العائلة الديكتاتورية، والانتقال إلى حكم ديموقراطي يمنح أطياف السوريين الحقوق نفسها، ويحملهم الواجبات نفسها.

أما السوريون الموالون لخيار إما الأسد أو داعش وأخواته، فيحافظون على حالتهم كأسرى لفكرة لا ترتبط في الأصل بصعود داعش، بل بقصور نظر يرى النتائج وليس الأسباب، ويتغاضى عن الدور المؤكد للنظام في صناعة التطرف، بإفراجه عن الإسلامويين المتشددين من سجونه بعد سنوات من اعتقالهم لدى عودتهم من "الجهاد العراقي". وللتذكير، النظام نفسه هو الذي جند، أو سهَّل لهؤلاء، الذهاب إلى العراق، والعودة منه.

ومن بين غير الفاعلين في تقرير استمرار الحرب على سوريا، أو إيقافها، يبقى السواد الأعظم من السوريين منتظراً الخلاص بأي ثمن، في داخل سوريا وخارجها، ينفقون أعمارهم، ومدخراتهم، ومستقبل أبنائهم، بل كراماتهم وحيواتهم في كثير من الحالات، دون نتيجة.

إيران تستمر في ملاعبة أمريكا، في جبهة متقدمة على الأرض السورية، كي لا تكون مضطرة إلى انتظار الأمريكان على الحدود، أو في الداخل الإيراني. وينطبق الأمر على علاقة روسيا مع أمريكا في شأن الجبهة الأوكرانية، وشبه جزيرة القرم. فأمريكا بحلفها الأطلسي تقف على الحدود الغربية لروسيا في أوكرانيا، وجورجيا، وبولندا. هذا، مع فوارق منظورة لناحية قوة تأثير كل من الدولتين على أمريكا بحساب ميزان القوة العسكرية المختل دائماً لمصلحة أمريكا. وحتى مع قوة روسيا الكبيرة، كان من الأفضل لها نقل الجبهة، السياسية على الأقل، إلى سوريا، وإطالة موسم المساومة كي تبرد الحرب المحتملة بينهما.

لكن الخصوصية الإيرانية في سوريا تزعج أمريكا أكثر مما تفعل روسيا، فالحوار السياسي المباشر مقطوع بين العاصمتين، وطهران لاتزال على رأس القائمة الإرهابية للبيت الأبيض. ولذلك تغذي عناصر العداء المستمر بينهما منذ عام 1979 احتمالات وازنة لحدوث مواجهة عسكرية في مستقبل غير معلوم.

هو احتمال مؤجل، كون الدور الوظيفي لإيران مطلوب بشدة أمريكياً، لإذكاء نار الخوف والعداء في المنطقة العربية. وهو دور يشبه من وجوه كثيرة ما تمثله الثكنة الأمريكية المتقدمة في قلب العالم العربي، فلسطين. فما تقوم به إيران يفوق في التأثير والنتائج عمل المخابرات الأمريكية التي تسجل فشلاً كبيراً في نظر دوائر الحكم في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، إلا إذا كان هذا التقصير المخابراتي مقصوداً، أو مجرد تقصير مقارنة مع الدور الكارثي الناجح لهذه المخابرات في عقود الحرب الباردة.

إذاً، تمتلك أمريكا ما يغنيها عن نجاح مخابراتها، أو يغنيها عن التوسع في عمليات هذه المخابرات، فبوجود إيران، وإسرائيل، وداعش وأخواته، يمكنها لبس قناع إطفائي الحرائق، دون ضرورة للتدخل المباشر، مع حرص أمريكا على نزع كل أسباب نشوب معركة بين إسرائيل وإيران، أو "حزب الله"، ورغبتها في حدوث صدام بين داعش وإيران.

لكن إيران تتجنب خوض معركة مع داعش، مثل تجنبها الاصطدام مع إسرائيل، على عكس ما تُعلن حسب نظرية "الممانعة". ونتيجة لذلك، سيستمر الظهيران للسياسة الأمريكية، إيران وداعش، في تأدية الدور نفسه، ولفترة سترى أمريكا في نهايتها أن الاستنزاف لمحور إيران - العراق – سوريا بلغ ذروة تمهد للانتقال إلى مرحلة جديدة يكون فيها داعش استوعب أن عليه تغيير استراتيجيته، وإعلان الوحدة بين "الذئاب المنفردة"، و"الخلايا النائمة"، بمعنى التوحد مع القاعدة في سوريا، والكمون في انتظار انبثاق حرب جديدة في سوريا، أو في العراق، من جديد، أو في إيران، ربما. لِمَ لا؟

وحتى لو كان داعش صنيعة أمريكية، أو إيرانية، في الأصل، فاحتمال تمرد داعش على صانعيه وارد، هذا إذا لم نقل إن التنظيم سينفذ المرحلة الثانية، أو الثالثة، أو العاشرة، من أوامر صانعيه.

ومع الاحتمال الوارد لعودة داعش إلى الموصل، بعد تحريرها، وإلى الرقة بعد تحريرها، باعتبار ما سيكون، ننظر إلى المعركة وكأنها بدأت للتو، على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتلال الموصل، وقرابة تسعة أشهر من بدء معركة الموصل. فداعش الذي يجيد هجوم الضباع، دفع الجيش العراقي، والحشد الشعبي، مدعوماً بطيران التحالف، إلى تدمير 80% من مدينة الموصل، قبل أن يعلن المهاجمون لحظة "النصر". وقد يكون مصير الرقة مماثلاً لكن في مدة أقل من تسعة أشهر.

في مثل هذه الخرائب التي خلفها ذلك النصر، يصعب استيعاب رفع علم للمنتصرين. كما نجفل من القول إن داعش سيعود لتدمير الباقي من الموصل، مثلاً، مع أن هذا احتمال عودة التنظيم منطقي، خاصة أن "تل عفر" شمال غرب الموصل، ومناطق من محافظة الرمادي، لاتزال مسكونة من داعش، ناهيك عن ديرالزور، وفضاء واسع من البادية السورية يمتد من حمص إلى تدمر، صعوداً إلى جنوب الرقة، وجيوب في ريف حلب، وإدلب، بمجاورة "هيئة تحرير الشام" الشقيق القاعدي الأكبر للتنظيم.