الأحد 23 يوليو 2017 / 09:11

قطر الفاسدة

مكرم محمد أحمد- البيان

صحيح أن الأزمة التي يواجهها العالم العربي، والتي اصطلح الجميع على تسميتها بالأزمة القطرية، ليس لها عنوان واحد أو باعث واحد أو مسرح محدد، وهي في حقيقة الأمر، وكما وصفها أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال اجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب، أزمة لها عناوين كثيرة، وبواعث متعددة، تتفاعل على مسرح هائل الاتساع، يمتد على مساحة العالم العربي كله، في مشاهد تدمي القلب لمدن وحواضر عربية جرى تدميرها.

وملايين المشردين العرب الذين أخرجوا من ديارهم، وعشرات الآلاف من الشهداء والقتلى والجرحى، وصراعات تشتعل في معظم أرجاء العالم العربي، تتجاوز خسائرها أكثر من تريليون دولار، كما قدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، دون أفق معلوم لنهايتها أو إشارة لقرب حلها.

إذا كان العالم العربي في أغلبه ضبط دولة قطر متلبسة بتمويل جماعات الإرهاب وتسليحها وتدريبها وإعطائها ملاذات آمنة، ابتداء من داعش إلى القاعدة وجبهة النصرة وجماعة الإخوان، الأمر الذي جعل رئيس الولايات المتحدة، يصنفها بأنها الممول التاريخي لجماعات الإرهاب، التي دمرت سوريا وليبيا والعراق، وحاولت تدمير مصر في ثورة يناير، تحت شعار الفوضى البناءة.

وسعت إلى شق السعودية، وإشعال حرائق الفتنة الطائفية في البحرين، وتشجيع جماعة الإخوان على بناء تنظيم سري لها داخل دولة الإمارات، تصبح قطر المتهم الأول في عمليات التدمير الواسع التي لحقت بالعالم العربي، إن لم تكن الفاعل الرئيس، مهما تعددت أدوات التخريب وتغايرت أسبابه.

ما من شك أن عوامل كثيرة ومتداخلة، ساعدت قطر على ارتكاب جرائمها، أولها أن قطر ارتضت منذ البداية أن تكون مخلب قط لمصالح دولية ضخمة، يهمها تدمير العالم العربي، وتفتيت إرادته والسيطرة على مقدراته، ابتداء من إسرائيل إلى أجهزة التخابر الأميركية التي اعترفت على لسان مدير المخابرات المركزية، بأنها وظفت قدرات قطر في مهام متعددة، بعضها يتعلق بحماس في غزة، وبعضها يتعلق بجماعة الإخوان في مصر وسوريا وليبيا.

ربما بدوافع طموحات دولة صغيرة، لا يزيد عدد تعداد سكانها عن 300 ألف نسمة، حباها الله ثروة طائلة من الغاز الطبيعي المسال، تصورت على نحو خاطئ، أن تبنيها لجماعات الإرهاب، يمكن أن يساعد على تضخيم دورها ويضاعف من تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط، ويزيد قدرتها على ابتزاز أشقائها وجيرانها الأكبر منها، وبالطبع، شجع دولة قطر على هذا المسلك، انتماء قديم لجماعة الإخوان، شكل جزءاً مهماً من هويتها الثقافية.

لكن قطر ما كان يمكن أن تحقق هذا النجاح، دون خطة متكاملة، استهدفت تزييف وعي الإنسان العربي وتخريب عقله، ساعد على رسم خطوطها خبراء عرب وأجانب في سيكولوجية الحشد وهندسة وبناء وتزييف الرأي العام، وغسيل أمخاخ الشعوب، شهدنا مثالها في مصر، بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، عندما تعرضت مصر لحملة نفسية ضارية.

استهدفت تشويه صورة عبد الناصر في أذهان المصريين، وتسفيه كل معاركه وإنجازاته، لكن الحملة لم تنجح، ولم تصمد أمام وعي المصريين بجدوى وأهمية الدور التاريخي الذي لعبته ثورة يوليو، ولعبه عبد الناصر في إيقاظ الوعي المصري والعربي.

والآن نشهد خطة متكاملة لتزييف الوعي العربي وتخريب عقل الإنسان العربي، تقوم على الأسس والقواعد نفسها، من خلال خطاب إعلامي ناعق ومختلف عما هو سائد، تعددت منابره، وهدفه الأول استثمار الأزمات التي تشهدها عدد من البلدان العربية في إذكاء الفتن والانقسامات، وتفتيت المفتت كي يزداد تفتيتاً، ونشر أفكار التطرف والكراهية والعنف، وتقديم الخونة والعملاء وقادة التطرف وقيادات الجماعات الإرهابية في صورة أبطال ونجوم، يستهدفون التغيير من أجل الأسوأ والأكثر شراً.

وتجسد قناة الجزيرة مثاله الأهم خلال العقد الأخير، تحت دعاوى حرية الرأي والإبداع والانتصار للرأي والرأي الآخر، التي تنسج على منوالها منابر جماعة الإخوان وأدواتها الإعلامية التي تختص القوات المسلحة المصرية لحملة كاذبة شرسة، تستهدف تدمير صورة البطل في أذهان المصريين وتجريحه وتشويهه.

فضلاً عن بعض الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تجذب أعداداً غفيرة من الشباب، يشكلون أكثر من 60 في المئة من تعداد العالم العربي، يعانون من ضحالة الثقافة وغياب دهشة المعرفة، مع غياب عادة القراءة، وانهيار مستويات التعليم، وندرة قراءة الصحف، وهمهم الأول أن يحصلوا على ما يتصورون أنه الحقيقة، على شكل رسائل سريعة و مختصرة، لا تربي عقلاً ناقداً أو حصيفاً، بقدر ما تربي ببغاوات تنطق بما لا تفهم أو تعرف.

ومع انتشار ثقافة الحفظ، وسيادة مناهج التخوين والتكفير، وغلبة البضاعة الفاسدة في سوق استهلاكية يسودها الغش، نجحت إلى حد كبير عملية تزييف وعي الإنسان العربي، رغم وجود كثير من الشباب العربي يفترض أنهم يحسنون استخدام العقل، ويستطيعون فرز الصالح من الطالح، والتمييز بين الغث والسمين.