الأحد 23 يوليو 2017 / 09:03

نفخكم الغاز يا قادة قطر

د.سالم حميد- الاتحاد

من الحقائق الثابتة في حياة الأفراد والمجتمعات والدول، أن المال سلاح ذو حدين، فقد تكون الثروة نعمة إذا ما تم استخدامها واستثمارها وفقاً للقواعد والقيم الرشيدة التي تستهدف البناء والتنمية وتعميم الخير وإسعاد الشعوب. كما يمكن أن تتحول الثروة إلى نقمة عندما تتم إساءة استخدامها أو استثمارها وإدارتها لإرضاء نزوات أفراد يتصفون بالحماقة وغياب العقل الرشيد. وفي المشهد العربي كان نظام القذافي أنموذجاً لسوء استخدام الثروة. والآن هناك أنموذج آخر يتمثل في دولة قطر التي استغلت ثروتها بشكل يتنافى مع القواعد والمسؤوليات المتعارف عليها بين الدول.

كانت مؤشرات الطفرة المالية القطرية قد بدأت تلوح في الأفق منذ عام 1971، عندما تم اكتشاف حقل الشمال للغاز الذي تتقاسمه قطر مع إيران رغم أن مجمله يقع في المياه القطرية. لكن الصادرات والإيرادات المالية لحقل الشمال لم تبدأ عملياً إلا في منتصف التسعينيات. أي بعد انقلاب حمد بن خليفة ضد والده حاكم قطر السابق. لكن المال أعمى صواب النخبة القطرية الحاكمة وجعلها تعتقد أن بمقدورها شراء كل شيء، لدرجة أن بطولة كأس اليد العالمية الأخيرة في قطر دفعت الدوحة إلى تجنيس كامل الفريق القطري، بينما تساءل الجمهور بسخرية: عن أي فخر تتحدث قطر؟ وكيف يكون مذاق الفوز عندما يتحقق بالمال وبلاعبين تم تجنسيهم فجأة؟ وفي الأزمة الراهنة بين دول الخليج وقطر، حاولت الدوحة أن تجلب بأموالها من يفكرون ويحللون بالنيابة عنها، كما استضافت مدونين مغمورين في وسائل التواصل الاجتماعي وقامت بجلبهم من أماكن متفرقة للتغريد لصالحها مقابل تذاكر سفر واستضافات في فنادق الدوحة.

فكيف يتحدث القطريون عن المصالحة ورفع المقاطعة وهم لم يتخلوا عن الرغبة في شراء كل شيء بالمال، بما في ذلك مساحات في الصحف الغربية؟ وضمن خطة قطرية مكشوفة لشراء المواقف وخداع الشعب القطري وتزييف الحقائق لتبرير دعم الدوحة للإرهاب والمنظمات والشخصيات المشبوهة دولياً، ابتهج الإعلام القطري بما نشرته "واشنطن بوست" حول قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، بما تضمنه من تلفيقات غير منطقية حول الاختراق المزعوم، في اتهامات خالية من الأدلة وتندرج ضمن خيالات المراهقين الصغار. وقبل أن تخمد شبهات قيامها بشراء حق استضافة كأس العالم، عملت قطر على شراء مساحات في صحف دولية واستأجرت محررين ومواقع إلكترونية لتجميل صورة حلفائها "الإخوان المسلمين" ودعمهم إعلامياً، معتقدةً أن بمقدورها شراء كل شيء بأموالها.

وهذه العقلية التجارية قد تفلح مع مستثمر مغامر لكنها لا تخدم سياسة دولة. ومنذ أن عزلت قطر نفسها ودفعت الآخرين إلى مقاطعتها لم تفكر في مراجعة سياستها لمصلحة شعبها ومحيطها، بل ذهبت بعناد إلى شراء واستيراد بضائع يقول خبراء اقتصاديون إن تكلفة شحنها جواً أعلى بكثير من قيمتها، ونتيجة للغلو والتبجح تدفع الدوحة الكثير لإرضاء غرورها، وكل ذلك في سبيل التهرب من الالتزام أمام دول الإقليم بالتوقف عن تمويل الإرهاب. وبدلاً من استثمار الفوائض المالية لصادرات الغاز لمصلحة الشعب القطري ومستقبله، تصر قطر على تسخير إعلامها وثروتها وسياستها الخارجية للدفاع عن تيارات وشخصيات إرهابية تزعزع أمن دول المنطقة. وفي النهاية يبدو أن الغاز القطري نفخ المسؤولين القطريين وحولهم منذ عهد حمد بن خليفة وحمد بن جاسم إلى بالونات منفوخة في الهواء، لكن سياسة البالونات المنفوخة سوف تسقط حتماً بالحزم الخليجي، وعلى من يقودوا قطر أن يتعلموا الدرس وأن يدركوا أن القيادة تتطلب الحكمة والصبر بدلاً من الإنكار والتحليق في الأوهام.