مقدسيون ينتظرون لدخول باحة الأقصى عبر البوابات الإلكترونية.(أرشيف)
مقدسيون ينتظرون لدخول باحة الأقصى عبر البوابات الإلكترونية.(أرشيف)
الإثنين 24 يوليو 2017 / 20:28

الفلسطينيون الجدد.. قراءة في هوامش ثورة القدس

لعل أهم ما في ثورة القدس الآن هو هوامشها الكاشفة التي تعيد الثقة بالوعي الجمعي الفلسطيني بعد سنوات طويلة من التشويه وحرف المسار والارتباط السلطوي المذل مع العدو

الذين خرجوا إلى الشوارع، والذين اعتصموا أمام بوابات الجامع، والذين احتشدوا في أزقة القدس العتيقة، لم يخرجوا ليحيوا مناسبة أو يسجلوا موقفاً.. ويعودوا. لقد خرجوا لينفخوا الروح في حقيقة كادت أن تغيب عن العرب، وهي أن القضية هناك، في القدس وحولها، وأن الصراع الواجب هو هناك أيضاً، وكل ما عدا ذلك زبد يذهب جفاء.

هي ثورة، وإن اختار البعض أن يسميها تحركاً أو رداً أو أعمال عنف أو إرهاباً، وهي تعبير عن قوة الضعف الكامنة في الفلسطينيين حين يواجهون أبشع احتلال في تاريخ البشر، وهو احتلال مسلح بالحقد التلمودي وبالأساطير، يمارس إرهاباً عاتياً يسميه البعض رد فعل أو حقاً الدفاع عن النفس أو فرض النظام أو تعنيفاً.

ولعل أهم ما في ثورة القدس الآن هو هوامشها الكاشفة التي تعيد الثقة بالوعي الجمعي الفلسطيني بعد سنوات طويلة من التشويه وحرف المسار والارتباط السلطوي المذل مع العدو، والارتهان لرغبات ونزوات المنحرفين في النظام الرسمي الفلسطيني الذي يرتبط عضوياً بالنظام الرسمي العربي.. وهو بالتالي يرتبط بالمشروع الأمريكي في المنطقة وتجلياته الإسرائيلية.

في هوامش ثورة القدس نرى خروج عنقاء الوطنية الفلسطينية من رماد التسويات السياسية والحلول والاتفاقات السلمية البائسة. ونرى في الهوامش أيضاً كشفاً لزيف الادعاء بتمثيل الأطر الفلسطينية القائمة لأهل القدس أو الضفة أو غزة أو فلسطينيي الخط الأخضر وفلسطينيي الشتات، فلا رهان على السلطة، ولا رهان على الفصائل المتناطحة بالبيانات والمشغولة بالانقلابات تحت مظلة الاحتلال، ولا قبول لتوجهات سلطة محمود عباس في رام الله أو مواقيت ومناورات سلطة حماس في غزة.

في الهوامش أيضاً، وبعيداً عن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين الموظفين برتب متفاوتة من رئيس إلى شيخ جامع، ومن رئيس حكومة إلى ناطق باسم تنظيم، نقرأ في ما يقوله الثائرون في باب الأسباط وعند مداخل البوابات رفضاً لكل الخطاب البائس الموجه إليهم عبر الشاشات، والوعود الكاذبة المقدمة إليهم عبر الوسطاء.

لا تصديق لإعلان الرئيس تجميد الاتصالات مع حكومة الاحتلال، ولا تصديق لإعلانه اللاحق بوقف التنسيق الأمني المعيب.
هذا ما تعبر عنه ثورة القدس في تشخيصها للوضع الداخلي، وكذلك فإنها لا ترى الخارج بعين الرضى، ولا تنظر إلى تصريحات المسؤولين العرب والأجانب إلا باعتبارها هذراً لا لزوم له في فورة الدم.

يعرف الثائرون في القدس والمنتفضون حولها أن اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لا يقدم ولا يؤخر، ويدركون استحالة الرهان على موقف عربي واضح وحاسم وقابل للترجمة العملية في مواجهة رعاع تل أبيب، ويستفزهم أن يتم تأجيل موعد انعقاد هذا الاجتماع الذي جاء متأخراً أصلا، وكأن الموضوع لا يستدعي العجلة، ولا يراهنون على نتائج اجتماع وزاري لأنهم لم يروا شيئاً من نتائج اجتماعات عربية على مستوى القمة، وهي اجتماعات جادت بالوعود ولم تنفذ منها شيئاً.

أما العالم، فإنه بالنسبة للفلسطينيين عالم معادٍ ومنحاز لإسرائيل نتيجة لهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي، وفرضها الأتاوات السياسية على معظم قوى ودول المنطقة، لذا لم يستفزهم تصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي سارع إلى إدانة الهجوم على مستوطنة "حلميش" ولم يكترث لنهر الدم الفلسطيني الذي سال في القدس وعلى أبوابها.

في السابق كانت صرخة "يا وحدنا" تثير الإحباط واليأس، لكنها تبدو الآن واقعية تماماً، بل وضرورية ليوقن الفلسطينيون أنهم وحدهم فعلاً، وليعرفوا أن عليهم شطب كل إرث الرهانات الخائبة كمدخل لاستكشاف الطاقات الوطنية وتفعيلها في مواجهة الردة الرسمية الفلسطينية عن المشروع الوطني، وخلق مناخ جديد نقي ومطهر من إرث أوسلو ورموزها ومن تأثيرات النظام العربي وضغوطه.

ليست دعوة للانعزال ولا هي رؤية عصبوية ضيقة، بل تعبير عن قناعة مؤسسة على تجارب سابقة كثيرة تؤكد قدرة الشارع الفلسطيني على إعادة الاعتبار لقضيته بوسائله الخاصة، وبلا توجيهات ولا بيانات فصائلية وبلا رهانات على النائمين في عسل التسويات.