الإثنين 24 يوليو 2017 / 21:40

أنا أشاهد الجزيرة!

أحمد علي الحمادي

منذ سنوات عدة بدأ ينتابني الشك تجاه بعض ما أشاهده على قناة الجزيرة وينتابني هاجس بأنها ليست بتلك البراءة الإعلامية والمصداقية التي توسمناها فيها عند البدايات.

بدأ ذلك الهاجس ينمو قبيل فترة الربيع العربي، والثورات التي صُدِّرَت للوطن العربي وأسباب ذلك كانت عديدة... أهمها الشعور الداخلي كمواطن خليجي وعربي أولاً ثم كإعلامي يملك بصيرته الخاصة وحدسه تجاه الأحداث والشخصيات.

وقتها بدا لي أن الجزيرة أكبر بكثير من مجرد قناة عربية إخبارية همها إيصال الحقيقة المجردة للإنسان العربي، وأن لها مطبخها السري الخاص الذي تتلاعب فيه أيادٍ كثيرة غير شريفةٍ للأسف الشديد. تيقنت أن أهم الأسباب التي أثارت لدي هذا الإحساس المتشكك تجاه الجزيرة كان هو التعنت الخفي الذي يحاول دوماً بطرق غير مباشرة توجيه الأحداث والأقوال تجاه وجهةٍ واحدة مستهدفة بعينها.

كان واحداً من أهم تلك الأحداث التي أثار في نفسي ونفوس الكثير من التساؤلات والشكوك حول الجزيرة ومصداقيتها المزعومة هي الفيديوهات التي رأيناها إبان زيارة حمد بن خليفة آلِ ثاني أمير قطر وقتها لإسرائيل وكانت القنوات العبرية تتناقل الخبر وتفاصيل الزيارة واللقاءات القطرية الإسرائيلية في تل أبيب عام 2009.. والتي امتدت حتى مع مسؤولين من وزارة التربية والتعليم للتعاون بين البلدين حول المناهج والكتب المدرسية.. هذه الزيارة وغيرها من زيارات كبار المسؤولين القطريين لإسرائيل والتي يمكن لأي كان مشاهدتها باعتبارها أذيعت عبر القنوات العبرية.. صمتت عنها الجزيرة صمتاً تاماً ولم تلمح لها مجرد تلميح، في حين لو كان الشأن يخص دولة عربية أخرى لكانت استفاضت وهاجت في نقل الخبر وفبركت حوله الكثير.

وما إن اندلعت شرارة الثورات العربية حتى تصدرت الجزيرة إثارة الفتن وتأجيج الشوارع العربية بصورة أكدت ظني السابق بأنها أكبر بكثير من مجرد قناة إعلامية.. فكل ما كان يقدم عبرها كان يسعى لتحويل الشوارع العربية لبراكين من الاضطرابات والصراعات التي راح ضحيتها الكثير من الشباب العربي الذي غُرِّرَ به من قِبَل جماعات مُقَنَّعة بثياب الدين من جهة والديمقراطية من جهة أخرى لتحقق أهدافاً مسمومة لا يعلم بحقيقتها إلا الله. وفقدت خلال ذلك الجزيرة مصداقيتها الإعلامية لأي محايد أو متابع أو خبير سياسي كونها كانت تسلط الضوء على كل ما من شأنه إشعال المزيد من النيران العربية وإشاعة الفوضى وسوء الظن في كل مكان بشتى الطرق الماكرة، وباختيارها لضيوف بدورهم كانوا موجهين بشكل مخطط له لأهداف خفية..
سقط القناع إذاً.. وقدمت الجزيرة أسوأ مثل لإعلام موجه يسعى لأهداف مخلخلة لأمن المنطقة بأسرها.. والترسيخ للفكر الإخواني المضلل وتمويله ودعمه بصورة فجة.

وبالطبع استمرت الجزيرة في سياستها السوداوية العدائية التابعة للتوجه القطري والممول للإرهاب ودوره الغريب في زعزعة استقرار الأمن في الدول المجاورة لها، وأقول هنا الدور الغريب؛ لأنه ورغم كل الأسباب التي تذكر من آن لآخر في تبرير دوافع قطر ودعمها للإرهاب عبر تمويل الجماعات الإرهابية فإن كل ذلك يبدو لي غير مقنع وغير إنساني ولا أخلاقي لتستمر قطر في هذا الطريق المُظلِم والظالم معاً.

فأن تُعرِّض قطر نفسها حكومة ودولة وشعبا لنسف تاريخ إنساني طويل من الإخوة والجيرة والدم الواحد والدين الواحد لأجل مصالح غير واضحة المعالم، فهذا ما يجعلني في حالة غرابة من سياسة قطر التي هدمت تاريخاً وإرثاً مشتركاً طويلاً بينها وبين جيرانها فجعلها كجارة لا تملك بصيرة ولا بُعد نظر.

والحقيقة أننا لا ننتظر من الآخَر المثالية والكمال لكننا نأمل بحدٍ أدنى وهذا ما سعت له دولة الإمارات جاهدة ومسخرة كافة مساعيها من التفاهم الذي يكفل للجميع أجواء مستقرة تنعم بالسلام وتتفرغ للإنجاز لا للهدم والإرهاب، إلاّ أن التعنت والتأجيج القطري يواصل دفعه للأمور بطريقة عدوانية تفتقد الكثير من الخُلق في التعامل حتى لو كان ذلك مع عدوٍ مفترض. 

التدليس والافتراء والتعنت ولي عنق الحقيقة سياسة تنتهجها قطر وبوقها الأخرق الجزيرة. شاهدنا التدليس بعينه والمهنية الزائفة لهذه القناة عند فبركتها للخبر المشبوه لـ"واشنطن بوست" حول اتهام الإمارات بضلوعها في اختراق وكالة الأنباء القطرية، إذ استضافت الجزيرة التي تدعي الحيادية ضيفها المفلس مسيلمة العذبة (الكذاب الأشر) وضيف عربي آخر يدعى توفيق حميد الذي شكك في الخبر وبين أن لا قيمة له أبداً، وهنا جن جنون مذيعهم جمال ريان المتأهب دوما لصب الزيت على النار والذي انتابه حماساً شديداً في قراءة الخبر لكنه سقط إلى الهاوية وضرب بالمهنية الإعلامية عرض الحائط بمقاطعته للضيف بالصراخ والعويل والاستهزاء والاستخفاف بإجابته وعدم السماح له بإكمال حديثه لأنه فند الخبر وأحرج الجزيرة إحراجا شديدا لم تكن تتوقعه وأصابها في مقتل.

وهذا ما شاهدناه إزاء القضية المفتعلة أثناء زيارة معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية إلى لندن يوم الاثنين الماضي حيث قام بعض المرتزقة الذين يحملون في جعبتهم ضغينة الأحقاد التي عُبِّئوا بها لتوجيه إساءات لفظية لمعالي الوزير قبيل دخوله إحدى القاعات للمشاركة في ندوة لمؤسسة تشاتام هاوس. الجزيرة وبكل وقاحة أعطت مساحة في نشراتها الرئيسية لهذا التصرف الصبياني غير اللائق الذي حمل ألفاظا دنيئة وتحريضية تجاه دولتنا الغالية ووزيرنا الموقر وكأنها بذلك حققت إنجازا شامخا للبشرية ونصرا مؤزرا.
  
وما حدث من محاولة لاستفزاز قرقاش خلال الندوة حيث قام مذيعهم عثمان آي فرح بإلقاء سؤال على الوزير موضحاً أنه يعلم أن معاليه لا يحب قناة الجزيرة وتمنى أن يجد إجابة لديه لذلك فرد عليه قرقاش "الأمر ليس أني لا أحب الجزيرة، ولكني لا أشاهدها.." وهذا ما أضحك الجمهور فيما فسره الكثيرون كصفعة لائقة على وجه الجزيرة التي تمادت في غطرستها وغيِّها.

هذا الرد للوزير الذي رَآه المحللون المنصفون غاية في التهذيب والرقي الإنساني الذي اتسم به معالي الوزير، إذ أنه بكلمة واحدة استطاع أن ينسف الصرح الأكبر للفتنة في العالم العربي.. صرح الجزيرة الواهي.. نسفها بسرعة بديهة وحكمة نافذة سهلة ممتنعة خلوقة مدمرة في الوقت ذاته (في منتصف الجبهة).

ومع إعجابي بهذا الرد الدبلوماسي الهادئ؛ إلا أنني كإعلامي عليَّ الاطلاع على الكثير من المحطات الإعلامية في العالم ومن بينها الجزيرة التي أعترف بمشاهدتها من آن لآخر لأرصد تدليسها وتضليلها وافتراءاتها التي لا تنتهي، هذه المشاهدة وللأسف الشديد لا تزدني إلا إحباطا وألما كلما لمست إعلاماً يروج ويقتات على إشاعة الفتن والضلالات وإضرام شرارات الأحقاد في نفوس أبناء الخليج وأبناء الوطن العربي الواحد بدلاً من العمل على توحيد الصف وتأليف القلوب والوقوف بالمرصاد للإرهاب بكل أشكاله.. فهذه هي الجزيرة التي تكاد تغرق وتفقد مشاهديها باستمرار وتحرج مموليها وتجعل الجارة قطر تسبح عكس التيار الخليجي.