زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.(أرشيف)
زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.(أرشيف)
الثلاثاء 25 يوليو 2017 / 15:02

دولة داعش سقطت.. لكن إيديولوجيته باقية

رأى الكاتب سيمون كوتي، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك دايلي نيوز" أنه بسقوط مدينة الموصل، مقر خلافة داعش في العراق، يواجه التنظيم الإرهابي إشكالية كبرى تتمثل في أن خلافته المزعومة باتت بلا دولة على أرض الواقع، وخصوصاً أن سيطرته على الرقة في سوريا سوف تنتهي على الأرجح بحلول نهاية العام الحالي؛ إذ تحاصرها حالياً القوات السورية المدعومة من الولايات المتحدة.

إيديولوجية داعش ستظل مصدر إلهام للآخرين الذين يطمحون إلى محاكاة مشروع دولة الخلافة الإسلامية

 ويشير الكاتب إلى أن إدعاء داعش بقيادة الحركة الجهادية العالمية يستند حصرياً على نجاحه في السيطرة على أراضي واسعة في العراق وسوريا، وحينما كان داعش في ذروة سلطته خلال عام 2015 كان يفرض سيطرته على مساحة من الأراضي بحجم بريطانيا، كما جذب نحو 30 ألف مقاتل للانضمام إليه من 86 بلداً على الأقل، ولم يحدث من قبل أن استولت أي جماعة جهادية أخرى على مثل تلك المساحة من الأراضي وجندت هذا العدد من المواطنين الأجانب في صفوفها، بمن فيهم خمسة الآف تقريباً من أوروبا.

فشل ذريع
وفي منتصف عام 2014، انتشر الداعشيون في جميع أنحاء سوريا والعراق، وبدا التنظيم الإرهابي الأكثر وحشية بما يفوق حتى تنظيم القاعدة، ولا يمكن دحره، كما انتشرت القصص عن صعود داعش وروايات من الصعب تصديقها عن أشخاص تخلوا عن حياتهم في الغرب التي يحسدهم عليها آخرون من أجل الانضمام إلى التنظيم.

ويوضح الكاتب أنه بفضل الضغط الفعال لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، يواجه داعش فشلاً ذريعاً، وحتى قبل خسارته للموصل، فقد التنظيم الإرهابي سيطرته على أكثر من 60% من الأراضي التي استولى عليها في العراق و45% من الأراضي في سوريا. وبحسب المركز الدولي لدراسات التطرف تراجعت إيراداته السنوية إلى النصف تقريباً (870 مليون دولار بحد أقصى في عام 2016 بدلاً من 1,9 مليار دولار في عام 2014).

وعلاوة على ذلك، انحسر معدل الهجرة إلى داعش بشكل كبير، بعدما وصل في ذروته إلى عبور حوالي 2000 شخص شهرياً للحدود التركية السورية في أواخر عام 2014 للانضمام إليه، بينما لم يتجاوز 50 شخصاً شهرياً في نهاية العام الماضي. وتفيد تقديرات الحكومة الأمريكية أن ما لا يقل عن 75% من الداعشين قد قتلوا في غارات جوية بقيادة الولايات المتحدة، وربما تنطوي تقارير مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي على بعض المبالغة، بيد أن صمت البوق الإعلامي لداعش على مثل هذا الخبر لأكثر من ثمانية أشهر لا يؤذن بالخير بالنسبة للتنظيم الإرهابي.

انهيار دولة داعش
ويلفت الكاتب إلى وجهات نظر الخبراء بأن "السيطرة على رقعة كبيرة من الأراضي "كانت النقطة الأقوى التي يتميز بها داعش عن غيره من الجماعات الإرهابية، ومصدر قوته، ولا شك في أن خسارة الموصل تُضعف داعش بشدة؛ حيث أن الهوية الوجودية للتنظيم بأكمله كانت قائمة على الإدعاء بإنشاء دولة إسلامية حقيقية على أرض الواقع تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن تفكك هذه الدولة وانهيارها يقوض هوية داعش بشكل كارثي، فضلاً عن زوال جميع الأسس السياسية والروحانية التي قامت عليها سلطة داعش ودولته المزعومة، وهو ما يعني أن التنظيم يعاني من أزمة مصداقية لا يمكن التعافي منها تماماً.

والأدهى من ذلك، بحسب الكاتب، أن داعش لم يستول على الأراضي فقط وادعى امتلاكه لها، بل ذهب إلى حد تأكيد حقه الإلهي في تلك الأراضي، وأن الخلافة لم تكن من قبيل الصدفة، بل كانت إرادة الله، ولذلك يروج الداعشيون أن الانتكاسات الحالية التي يشهدها التنظيم ليست "هزيمة حقيقية" وإنما هي مجرد أحداث في صراع أكبر سوف ينتصر فيه داعش في نهاية المطاف.

ويعتبر الكاتب أن الخطاب البلاغي الذي يلجأ إليه داعش في الوقت الراهن هو بمثابة تهدئة لشكوك الداعشيين الذين لا يزالون في صفوف التنظيم، ولكن من غير المرجح على الإطلاق أن يجذب هذا الخطاب أعضاء جدداً أو حتى ينجح في إقناعهم بإيديولوجية التنظيم، ولذلك يمكن القول إن داعش في ورطة كبرى ويبدو أكثر ضعفاً كلما لجأ إلى تبريرات يائسة ومثيرة للشفقة لإخفاقاته.

نهاية مشروع الخلافة
ويستعرض الكاتب عدداً من الآراء حول الصورة التي انتشرت مؤخراً لداعشية عراقية قامت بتفجير نفسها مع طفل رضيع قرب حاجز للقوات العراقية في الموصل؛ إذ يرى البعض أن الأمر يتجاوز اعتباره مجرد لفتة يائسة من المقاومة من جانب امراة واحدة، فهو "علامة على أن قيادة داعش لم تعد تتعامل مع الخلافة بصفتها مشروعاً قابلاً للتطبيق"، وبخاصة مع النظر في الفكرة الجندرية المسيطرة على كل الجماعات الجهادية تقريباً، حيث يذهب الرجال للقتال وتبقى النساء في المنازل لتربية الأطفال. وبناء على ذلك، لا يدلل تعمد داعش استخدام النساء في المعركة على اليأس فحسب وإنما يعكس أيضا التدهور الشديد الذي يمثل بداية النهاية لمشروع الخلافة.

ويختتم الكاتب بالتأكيد على أن إيديولوجية داعش لن تنتهي إلى الأبد وستظل مصدر إلهام للآخرين الذين يطمحون إلى محاكاة مشروع دولة الخلافة الإسلامية، كما يمكن أن يظهر داعش مجدداً إذا استمر تهميش واضطهاد السنة في العراق وسوريا.