الثلاثاء 25 يوليو 2017 / 11:32

قطر الشقيقة: الواقع المر

حمد العامر- الأيام

بعد صمت امتد ما يقارب 47 يوماً منذ تفجر الأزمة القطرية، وجه أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، مساء 21 يوليو(تموز) 2017 خطاباً إلى الشعب القطري، ولم أكن أتوقع وأنا أتابع كلمة أمير دولة قطر أي بادرة للتوصل الى حل مع دول مجلس التعاون ومصر المقاطعة لبلاده، ولم يدر بخلدي للحظة كذلك من أنه سيعلن عن انسحاب بلاده من مجلس التعاون الذي كان هدف الدوحة في خطاب الشيخ تميم للرد على الإجراءات التي اتخذتها دول مجلس التعاون ومصر في الخامس من يونيو(حزيران) الماضي.

لولا الاتصال السريع الذي أجراه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لحظة او عشية إلقاء الخطاب الذي أعلنت عنه وسائل الإعلام القطرية، بعد أن وصل إلى القيادة الكويتية ما يشير إلى انسحاب قطر من مجلس التعاون، وهذا يفسر تصريحات أمير الكويت حينها.

وجه أمير دولة قطر خطابه إلى شعبه، الذي هاله المصاب الجلل بسبب سياسة بلاده التي أبعدتهم عن أشقائهم شعوب دول مجلس التعاون كما وجهه إلى الحلفاء (القدامى والجدد) الذين حاكت معهم دولة قطر أساليب تنفيذ خطة (الفوضى الخلاقة) وعملية التغيير التي بدأت إرهاصاتها في تونس نهايات عام 2010، واستهدفت إنهاء الأنظمة العربية القائمة ،وإقامة أنظمة تعددية ديمقراطية إسلامية على النهج الإخواني التركي القريب فكراً ورؤية من نظام ولاية الفقيه الإيراني، ويلقى دعماً من الحليف الأمريكي ويتعارض تماماً مع سياسة دول مجلس التعاون، عدا دولة قطر التي تحولت إلى أداة تنفيذية في اليد الأمريكية لتدمير شقيقاتها عبر تمويل عمليات التغيير المخطط لها أمريكياً وبريطانياً منذ أمد طويل.

إن أبرز النقاط التي تضمنها خطاب الأمير تميم هي اعتبار قطر مركز الإشعاع الفكري وواحة لحرية الرأي والتعبير من خلال ذراعها الإعلامية (قناة الجزيرة)، ورفض بلاده لما أسمته بالوصايا، واستعدادها للحوار ومناقشة كافة القضايا المثارة من قبل دول المقاطعة وتسويتها، على أن يقوم ذلك كله على مبدأ احترام السيادة والابتعاد عن الإملاءات.

إلا أنه يمكن ـ من خلال النقاط الآتية ـ قراءة خطاب الأمير تميم بشكل متوازن بعيد عن العاطفة التي غطت عباراته، وفي سياق من الواقعية المبنية على تطورات الأحداث والخلفية التاريخية والصبر الطويل الذي سبق تفجر الأزمة وتعقدها:

أولاً: إن الحديث حول (احترام السيادة والابتعاد عن الإملاءات وفرض الوصايا) هو حق أصيل لجميع الدول دون استثناء وفي مختلف الظروف، إلا أن هذا الحق انتفى مع دولة قطر بعد توقيع سمو الأمير تميم على اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية عام (2014)، ويعد ذلك إقراراً والتزاماً أدبياً منه لتنفيذ بنودهما - الذين يتضمنان أكثر من (80%) من المطالب التي قدمتها الدول المقاطعة إبان تفجر الأزمة - لمعالجة المشاكل الناتجة عن التصرفات القطرية غير المقبولة وغير المسؤولة التي تعرض أمن واستقرار دول الخليج للخطر الشديد كونها هي المستهدفة ليس من التخريب ونشر الفوضى من قبل أفراد وتنظيمات إرهابية مقرها الدوحة أو مدعومة من قبلها فقط، بل من مؤامرات الإطاحة بأنظمتها القائمة.

ثانياً: هناك تناقض حاد جدًا بين ما تناوله الخطاب حول (احترام السيادة) والأفعال القطرية والتسجيلات المسربة التي تظهر حجم التآمر القطري على الشقيقة الكبرى السعودية وأساس أمن واستقرار دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية مثل مصر وليبيا، لقد كان لدولة قطر دور كبير في إدارة المؤامرة الانقلابية في الإمارات لإقامة دولة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بحكم آل نهيان، وكانت حريصة على متابعة تطورات الأزمة في البحرين عبر الاتصالات السرية التي أجرتها قياداتها العليا مع المعارضة الهادفة لإسقاط حكم آل خليفة، وقامت بتمويل المعارضة الكويتية بمبالغ ضخمة واستضافت عددًا من قياداتها بحجة الاستفادة من التجربة البرلمانية الكويتية وهي في حقيقتها تعمل على إشعال فتيل الثورة على حكم آل صباح وهذا ما قامت ببثه قناة الجزيرة من برامج تحريضية وما أشارت إليه تغريدات عبدالله حمد العذبة رئيس تحرير صحيفة العرب القطرية، إلا أن الامر المستغرب هو معرفة ودراية القيادة الكويتية بالمخططات القطرية الخبيثة وعدم اتخاذها أية إجراءات ضد هذه التصرفات الهادفة لقلب النظام في الكويت.

ثالثاً: تناول الخطاب ما مختصره (حرية التعبير، واحترام الرأي العام، وحق الوصول إلى المعلومة، والثورة الإعلامية)، وفي هذا الحديث تناقض يطول شرحه، فمن المعلوم غياب الديمقراطية والحياة النيابية في قطر، ولديها من سجناء الرأي الكثير! فكيف يكون التغني بالحرية والديمقراطية في بلد يفتقر إلى أدنى أدواتها واحترامها لمبادئها؟!.

رابعاً: باستخدام العبارات العاطفية والعزف على وتر الوطنية أراد الأمير تميم من خلال خطابه تخفيف حدة التذمر الشعبي من الوضع المقلق الذي تعيشه قطر على مختلف الصعد، خصوصًا بعد أن وجد الشعب نفسه في خضم معركة لا ناقة له فيها ولا جمل بسبب سياسة خارجية هوجاء تريد إسقاط الأنظمة الحاكمة في دول خليجية شقيقة.

خامساً: تناقض آخر وقعت فيه قطر، فعند حديثها عن الإملاءات وحق السيادة واتهام شقيقاتها بانتهاكه، لم تستوعب أنها قامت بضغط أمريكي وفي رضوخ لمطالبات المجتمع الدولي وبعد تردد دام أكثر من عام بالتوقيع على اتفاق (أمريكي قطري) في (11 يوليو 2017م) يتناول خطوات مكافحة الإرهاب، ويعتبر هذا الاتفاق أحد المطالب الإضافية على تضمنه اتفاقي الرياض، ويتبين التناقض القطري هنا، فالاتفاق (مرفوض) لأنه جاء بطلب دول مجلس التعاون من خلال اتفاقي الرياض، إلا أنه (مقبول) لأنه جاء بطلب دولة عظمى تحتمي وراءها قطر وتعتبرها الضامن لسيادتها الوطنية إلى جانب تركيا التي أوجدت لها موطئ قدم من خلال قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية تحقق أحلام أردوغان في عودة الخلافة الإسلامية، وإيران التي تسعى للانقضاض على الخليج العربي لتحقيق حلم إقامة جمهورية الولي الفقيه الذي أسقطه الشعب البحريني الأصيل بمساندة قوات درع الجزيرة.

سادساً: حاول أمير دولة قطر بخطابه الموجه للشعب القطري أن يهدئ من روعه وخوفه وقلقه وذلك بصلابه الاقصاد القطري وثباته أمام المقاطعة. كما وجه الشكر والتقدير صراحة إلى تركيا على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطرية، وتلميحًا إلى إيران التي فتحت أجواءها الجوية والبحرية أمام حركتي الملاحة والطيران.

في واقع الأمر، سيستمر ضغط الأزمة على دولة قطر، خصوصًا مع فشل مناوراتها السياسية والدبلوماسية التي ضاقت وتقطعت بها السبل مع تداعيات الأزمة الدبلوماسية الكويتية الإيرانية الأخيرة التى أوجدت حالة شديدة من التوتر لدى الحكم في قطر من خشية تغيير في الموقف الكويتي الذي هو الآن أشد ميلاً للجانب القطري، لهذا قدم الأمير تميم شكره وامتنانه لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لمساعيه الحثيثة لحل الأزمة للتغطية على ما بدر من القيادة القطرية من إساءات وتدخلات سافرة في الشؤون الكويتية الداخلية بهدف إشعال الفتنة ضد العائلة الحاكمة باستخدام مختلف الأساليب.

لقد كان خطاب الأمير تميم فرصة لإنهاء الأزمة بإعلان التزام بلاده بتنفيذ ما ورد في اتفاقي الرياض، واعتباره قاعدة صلبة لانطلاق الحوار الذي اعتبره أساس لتسوية كافة القضايا!
لتتبقى بعد ذلك قضايا الحد من التعاون القطري الإيراني والتركي، ودفع التعويضات، وانسجام سياسة قطر مع سياسات الدول العربية، بنود يتم بحثها في الحوار الذي سوف يصل بلا شك إلى الحد الأدنى من التوافق.

لذلك فإن الحكمة وتغيير التوجه لا المكابرة والتمسك بالحل الخارجي وتزوير الحقائق والاستمرار في التدخل بالشؤون الداخلية هي مفتاح الحل في اطار البيت الخليجي الواحد. وحتى تقتنع الدوحة بأن الحل لا يغطيه (المنخل) كما تقول الأمثال الشعبية القديمة ولا يحتاج الى تنازل عن السيادة الوطنية والإملاءات، ستبقى الدوحة بعيدة عن محيطها الخليجي وعمقها الاستراتيجي والاجتماعي لإنهاء الأزمة التي خيمت على المنطقة وآلمت البيت الخليجي المتوحد تحت راية الإيمان بوحدة المصير المشترك.