نازحين في الرقة (أرشيف)
نازحين في الرقة (أرشيف)
الأربعاء 26 يوليو 2017 / 15:50

فارون من الرقة السورية يقعون ضحايا المهربين

يجازف المدنيون الفارون من مدينة الرقة السورية بحياتهم للوصول إلى بر الأمان بعيداً عن المعارك، متكلين على مهربين يدفعون لهم مبالغ مالية طائلة غير كفيلة بحمايتهم من النيران أو من أعين الإرهابيين.

في مخيم عين عيسى للنازحين، الواقع على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً عن مدينة الرقة، يروي نازحون كثر فروا من الرقة وجوارها لحظات رعب عاشوها مع المهربين تخللها تعرضهم لإطلاق نار أو التخلي عنهم في وسط الطريق.

المهرب "الحوت"
ويقول علي (25 عاماً) الذي استعان بمهرب للفرار من قرية القحطانية الواقعة على بعد ستة كيلومترات شمال غرب الرقة، أثناء الرحلة بإشراف المهرب: "علقنا في هجوم للدواعش أصيبت خلاله امرأة رافقتنا على الطريق".

ويضيف: "لا نعرف ماذا حل بها، لكن دم هؤلاء الناس في رقبة المهربين".

فرّ علي مع ثمانية من أفراد عائلته أصغرهم طفل في الخامسة قبل شهرين ونصف الشهر من قريته برفقة مهرب: "نُصحنا بالتعامل معه بعدما سألنا عدة أشخاص في القرية".

ويوضح: "لا يكشف المهربون أسماءهم الحقيقية ويكتفون بألقابهم فقط، ولقب مهربنا كان الحوت".

ويقول الشاب الأسمر ذو اللحية السوداء الخفيفة بينما يجلس مع جيرانه في ظل ملاءة تقيهم لهيب الشمس: "اتفقت مع الحوت على التفاصيل ودفعت له 222 ألف ليرة سورية (418 دولاراً)".

ويتابع: "خرجت من القحطانية في سيارتي عند الثانية بعد منتصف الليل، سار المهرب أمامنا بمسافة 500 متراً"، مضيفاً: "كان ملثماً، لم نر وجهه".

ويروي: "بعد وصولنا إلى مكان في منتصف طريق، قال لنا إنه آمن وجدنا نفسنا تحت وابل نيران الدواعش. عندها أطلقت العنان لسيارتي حتى وصلت إلى أول حاجز لقوات سوريا الديموقراطية".

ومنذ بدء قوات سوريا الديموقراطية، ائتلاف فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، هجوماً قبل ثمانية أشهر لطرد تنظيم داعش من الرقة أبرز معاقله في سوريا، فر عشرات الآلاف من المدنيين مع تقدم المعارك.

وتمكنت هذه القوات في السادس من يونيو (حزيران) من الدخول إلى مدينة الرقة وسيطرت على أحياء عدة فيها. وتقدر الأمم المتحدة حالياً بقاء ما بين 20 و50 ألفاً داخل المدينة يعانون من ظروف معيشية صعبة.

مبالغ كبيرة
ومقابل فرارهم من مناطق سيطرة الإرهابيين إلى مواقع سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، يدفع المدنيون للمهربين مبلغاً يتراوح بين "75 ألفاً و150 ألف ليرة سورية للشخص الواحد"، وفق تقرير نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قبل أسابيع.

ويصل النازحون وفق التقرير ذاته إلى المخيمات وبحوزتهم القليل من الحاجيات ويبلغون وجهتهم أحياناً سيراً على الأقدام لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف وسائل النقل.

ونجا أحمد الحسين (35 عاماً) بأعجوبة لدى فراره قبل بضعة أشهر من مدينة الرقة بمساعدة مهرب اتفق معه على دفع مبلغ 70 ألف ليرة وأعطائه دراجته النارية بقيمة 30 ألفاً فور بلوغه وجهته.

ويروي: "كنا مجموعة من 250 شخصاً، مشينا نحو 15 ساعة حتى وصلنا وقت آذان الفجر إلى حاجز قوات سوريا الديموقراطية في منطقة المعزيلة (23 كيلومترا شمال شرق الرقة)".

ويتابع: "فور وصولنا، شنّ الإرهابيون هجوماً على المنطقة وعلقنا بين النيران، واختفى المهربون تماماً".

ويضيف أحمد بينما يجلس على فراش على الأرض وإلى جانبه دراجته النارية التي احتفظ بها: "اعترضنا الدواعش وأعادونا إلى قرية الصالحية، ضربونا وأخذوا أموالنا وأوراقنا الثبوتية".

أصر الإرهابيون على معرفة هوية المهربين الذين كانوا يرافقون المجموعة بحسب أحمد "لكن ذلك كان أمراً مستحيلاً لأننا فعلاً لا نعرفهم، قد يكون المهرب نفسه داعشياً".

وبعدها، أجبر الإرهابيون أحمد على البقاء في قرية تحت سيطرتهم قرب الرقة ظل فيها حتى سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية.

معاناة
تحت خيمة صغيرة صنعها من ملاءات مثبتة على قوائم خشبية، ينهمك أبو أحمد (38 عاماً) في إصلاح دواليب وقطع خاصة بالدراجات النارية، ما يوفر له دخلاً ضئيلاً في مخيم يعاني فيه النازحون من صعوبات عدة.

قبل ثلاثة أشهر، فرّ أبو أحمد من حي الدرعية في غرب مدينة الرقة من دون أن يلجأ إلى المهربين، لكن ذلك لم يقيه شرهم.

ويروي الرجل وهو يرتدي قميصاً أزرق ملطخاً بزيت الدراجات الأسود: "خرجت وعائلتي من الرقة قبل أن تصل قوات سوريا الديموقراطية إليها، وبقينا في مزرعة قريبة نحو شهر قبل أن يأتي الدواعش ويحرقوا خيمنا".

اضطر أبو أحمد حينها إلى إكمال طريقه، ويشرح: "قبل أن نصل إلى حاجز قوات سوريا الديموقراطية، اعترض مهربون طريقنا وطلبوا دفع 50 ألف ليرة لمساعدتنا باعتبار أن الطريق طويل وغير آمن".

وخلال تبادله أطراف الحديث معهم، اقترب راعي أغنام من أبو أحمد محذراً ياه: "لا تعطوهم أموالكم فالحاجز لا يبعد أكثر من 500 متر والطريق آمن".

ويقول أبو أحمد: "عندها رفضت الدفع وأكملنا طريقنا".

على بعد أمتار، يستريح أبو زاهد الخمسيني مع اثنين من أولاده وجيرانه قرب خيمة يعيش فيها منذ نحو 20 يوماً بعدما ترك منزله في الرقة بمساعدة مهربين.

ينفث أبو زاهد دخان سجائره عالياً ويسهب في الحديث عن المعاناة داخل مدينة الرقة وفي المخيم الذي يؤوي أكثر من سبعة آلاف نازح.

ويقول: "خرجنا من حي الدرعية مع المهربين وعبرنا نهر الفرات وصولاً إلى قرية كسرة فرج ومنها، إلى مدينة الطبقة ثم سد الفرات لنقطع النهر مجدداً ونكمل طريقنا إلى عين عيسى".

يرفض الرجل الخوض في تفاصيل رحلة الهروب لأن "ما يهمني الآن أني أخرجت عائلتي من المدينة" قبل أن يضيف "ليسامحهم الله، المهم أننا خرجنا".