مقدسيات يحتفلن باإلغاء الإجراءات الامنية في الأقصى.(أرشيف)
مقدسيات يحتفلن باإلغاء الإجراءات الامنية في الأقصى.(أرشيف)
الجمعة 28 يوليو 2017 / 17:07

نتانياهو.. الغرور المهزوم!

الهبة الشعبية الفلسطينية والتي تمثلت بتجمع مئات الآلاف من الفلسطينيين والصلاة في ساحات القدس ومداخلها منذ قيام الاحتلال بتركيب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى قد لعبت دوراً كبيراً في إجبار نتانياهو على التراجع

يعتقد نتانياهو أنه حقق الزعامة التي كان يحلم بها وهي تلك التي تضاهي زعامة بن غوريون أو غولدا مائير أو ليفي أشكول أو مناحيم بيغن، ففي الحسابات البسيطة أحرز أطول فترة رئاسة لحكومة إسرائيلية، كانت رئاسته الأولى من 1995 حتى 1999، أما الفترة الثانية فتمتد من 2009 إلى اليوم أي 12 عاماً، منها ثماني سنوات متواصلة، وخلال فترة رئاسته الثانية أصبح نتانياهو هو الشخصية المعبرة عن "المزاج الإسرائيلي المتطرف"، كما يعتقد أنه تمكن من إيذاء إدارة أوباما والمساهمة في إسقاطها، وأعطى لنفسه ولربما لأول مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية منذ عهد ترومان صفة "البطل" الذي قال (لا ) لرئيس الولايات المتحدة ووقف نداً له بل وحرض عليه في قلب الكونغرس.

ظروف كثيرة لعبت دورها في خدمة "غرور" الرجل، من أبرزها على الإطلاق مشروع فوضى "الربيع العربي" الذي خلق حروباً داخلية في أكثر من بلد عربي وانقلابات وفوضى ساهمت في جعل القضية الفلسطينية "قضية منسية"، وهو ما أعطاه قوة غير مسبوقة في إدارة هذا الملف وفقاً لما يرغب وبالطريقة التي يريد، فتمكن من زيادة قضم الأراضي في القدس ومحيطها، وزاد من عدد المستوطنات في الضفة الغربية، و ساهم ضعف السلطة الفلسطينية التي باتت متماهية تماما مع " مشروع الاحتلال " ، والانقسام الفلسطيني – الفلسطيني في إنهاء العامل الذاتي الفلسطيني كقوة كابحة أو مضادة للاحتلال قادرة وان بنسبة معينة في تعطيل هيمنته أو إضعافها.

لم يكن نتانياهو يخفي مشروعه الحقيقي في ممارساته على الأرض، فمشروعه كان ومازال قائماً على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية وهي:
أولاً : الإجهاز التام على مشروع أوسلو، وتقزيمه وتحويله إلى مشروع تعاون أمني بين السلطة وإسرائيل، والذي يعني عملياً تحويل السلطة وأجهزتها الأمنية إلى أدوات تخدم الاحتلال من مكتب الرئيس عباس إلى آخر موظف في السلطة.

ثانياً: الاستمرار في قضم عناصر المشروع الوطني الفلسطيني والهادف إلى إقامة الدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وذلك عبر زيادة القوة القانونية والشعبية للقوى اليمينية في المجتمع الإسرائيلي التي تشجع الاستيطان وتدعمه وتحديداً هو شخصياً.

ثالثاً: وهو الأمر الأهم ( تهويد القدس) ومحيطها، والبدء التدريجي بإنهاء قدسية المسجد الأقصى كمكان إسلامي مقدس، والعمل على السماح لقطعان المتطرفين من اليمين الإسرائيلي باستباحته في كل الأوقات.

لقد انتهز نتانياهو حادثة إطلاق النار على الشرطيين في الحرم القدسي الشريف، واتخذها ذريعة سياسة للاستمرار في تهويد المدينة ومقدساتها، وقام وبغباء شديد ومتناسياً التزاماته الدولية مع "الدولة الأردنية" بوضع بوابات إلكترونية بالإضافة إلى الكاميرات التي تعد عملاً بوليسياً يحد من حرية العبادة والتعبد في المسجد الأقصى.

كان نتانياهو يعتقد واهماً انه يستطيع بعد حادثة قتل الشرطيين استثمار الحادث وتوظيفه باتجاه تنفيذ مخططاته بشأن القدس كما يشاء إلا أن الهبة الشعبية الفلسطينية والتي تمثلت بتجمع مئات الآلاف من الفلسطينيين والصلاة في ساحات القدس ومداخلها منذ قيام الاحتلال بتركيب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى قد لعبت دوراً كبيراً في إجبار نتانياهو على التراجع عن تلك البوابات، أما العامل الآخر فقد كان العامل الأردني المتمثل بالجهود السياسية التي لعبها الأردن وجلالة الملك عبد الله الثاني شخصياً في الضغط على نتانياهو وحكومته، والحركة الدبلوماسية النشطة للخارجية الأردنية ممثلة بالوزير أيمن الصفدي والتي شكلت الدور الرديف والمساند للفعل الجماهيري الفلسطيني من أجل إفشال خطة البوابات الالكترونية والتراجع عنها بل والاهم من هذا وذاك هو وقف أي شكل من أشكال المس بواقع المدينة المقدسة واحترام الوضع التاريخي والقانوني في المسجد الأقصى / الحرم الشريف .

شكل تراجع نتانياهو عن قرار نصب البوابات الالكترونية ضربة قاسية لعنجهية الرجل وغروره بعدما عول اليمين المتطرف في الشارع الإسرائيلي على إجراءات انتقامية من الفلسطينيين على إثر عملية القدس في الرابع عشر من يوليو (تموز) الجاري، فقد اظهر آخر استطلاع للرأي أجرته القناة الثانية الإسرائيلية الثلاثاء الماضي، أن غالبية كبيرة من الإسرائيليين عبروا عن خيبة ظنهم بنتانياهو جراء قرار إزالة البوابات الإلكترونية في الأقصى.

ووصف 77% من الإسرائيليين المشاركين في الاستطلاع القرار بأنه (تراجع مخجل)، ويبدو أن خيبة الظن من نتانياهو كانت أكبر بكثير في أوساط معسكره اليميني، حيث هاجمته الصحيفة المحسوبة عليه "اسرائيل اليوم" وكتبت على صفحتها الأولى أن قرار نتانياهو إزالة البوابات الإلكترونية في الأقصى يدل على "ضعف وهوان"، وجاء في تحليل الصحيفة ( أن نتنياهو أضر بصورته كثيراً في أعقاب القرار الذي يهم كل يهودي في العالم لأنه يتعلق بالحرم القدسي أو باسمه اليهودي "بيت الهيكل").

كما اتهم سياسيون سابقون ينتمون إلى حزب الليكود وشخصيات محسوبة على اليمين الإسرائيلي، نتانياهو، بأنه المسؤول عن حالة "الضعف" و "الذل" التي ألمت في إسرائيل في أعقاب إزالة البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى، واحتفال الفلسطينيين بالانتصار التاريخي على إسرائيل في القدس.

وحمل وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، نتانياهو، مسؤولية التراجع في الأقصى، قائلاً إنه كان جدير بنتانياهو أن يعرف التاريخ المتعلق بالأقصى، وانه كان عليه أن يستشير الجهات المعنية بالأقصى قبل نصب البوابات الإلكترونية وليس بعد نصبها.

صفعة معركة الأقصى لنتانياهو تعد دليلاً واضحاً على أن الفعل الجماهيري عندما يجد "حاضن " سياسية ودبلوماسية على الطريقة الأردنية التي تمت خلال الأيام القليلة الماضية سوف يحقق أهدافه وبخاصة عندما يكون الفعل الجماهيري معبراً عن حق مقدس مثل الدفاع عن الأقصى والمقدسات في القدس الشريف.