فلسطينيون يحتفلون بفك الحصار عن الأقصى.(أرشيف)
فلسطينيون يحتفلون بفك الحصار عن الأقصى.(أرشيف)
الأحد 30 يوليو 2017 / 19:13

الفوز بالنقاط في الأقصى!

الفوز المحدود في الأقصى يبدو سبباً كافياً للتحريض على رفع سقف المطالب في مجابهات لاحقة

انتهت مجابهة، استمرت أسبوعين، بتراجع إسرائيل عن وضع بوابات إلكترونية، وكاميرات مراقبة، على بوابّات الأقصى. يعني التراجع، في نظر الإسرائيليين، تآكل قدرتهم على الردع، وفوز الفلسطينيين بالنقاط في مجابهة كانت سلمية في الغالب، وتمثلت في الامتناع عن دخول المسجد الأقصى من البوابات الإلكترونية، والاعتصام على أبوابه، وأداء الصلاة في الشوارع والساحات القريبة من المسجد.

وفي السياق نفسه، ترى أعداد متزايدة من الفلسطينيين في تراجع إسرائيل دليلاً إضافياً على إمكانية تحقيق نتائج إيجابية في مواجهات محدودة، وذات أهداف محددة، دون اللجوء، بالضرورة، إلى العنف. وعلى الرغم من حقيقة أن مختلف الفصائل الفلسطينية حاولت الاستثمار في المجابهة بطرق مختلفة لتحقيق مصالح حزبية، إلا أن الطابع الشعبي والعفوي كان الغالب، وكذلك الدور البارز لمواطني القدس المسلمين والمسيحيين على حد سواء.

ولعل في هذا الأمر ما يفسّر الموقف الملتبس لحماس، التي فشلت في ركوب موجة المجابهة. وإذا صحّت التصريحات المنسوبة لأحد قادتها، والتي انتقد فيها مواطني القدس، واتهمهم بالتظاهر لأسباب مادية، فإن فيها ما يدل على اعتراف مباشر بالفشل.

بيد أن في دلالة الفشل ما يوحي بما هو أبعد، فعلى الرغم من مركزية ورمزية المسجد الأقصى إلا أن المجابهة اتسمت بتوظيف المشاعر الدينية في خدمة أهداف وطنية، تجلّت في الشعارات العامّة التي رددها المعتصمون والمتظاهرون، وبهذا نجحت في الحفاظ على طابعها السياسي، وخصوصيتها الوطنية، وعرقلت إمكانية الاستيلاء عليها من جانب قوى الإسلام السياسي سواء تمثّلت في حماس أو غيرها.

ومع هذا كله، تجدر الإشارة إلى حقائق لا ينبغي تجاهلها. فلن يقبل الإسرائيليون بتآكل القدرة على الردع. وهذه مسألة شائكة، وبالغة التعقيد. فتآكل الردع في نظرهم يعني أن كل تنازل يقدمونه، حتى في أقل القضايا شأناً، يُحرّض الفلسطينيين على طلب المزيد. وهذا النوع من رعونة القوّة، معطوفة على خلل فادح في ميزان القوى، يصلح مدخلاً، بشكل عام، لتفسير السياسة الإسرائيلية إزاء "عملية" السلام، والتوصل إلى حل للصرع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي.

وإذا وضعنا في الاعتبار حقيقة أن التصعيد، في الأقصى، نجم عن التنافس بين رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو وعدد من وزرائه على أصوات الناخبين في المعسكر الديني ـ القومي، في ظل تحفّظات واضحة من جانب الجيش وأجهزة الأمن، فمن المّرجّح أن يحاول هؤلاء افتعال مشاكل جديدة، في المدى المنظور، بدعوى استعادة الهيبة والقدرة على الردع.

وبهذا المعنى، فإن نجاح الفلسطينيين في الحفاظ على المكاسب المادية والرمزية، التي نجمت عن المجابهة في الأقصى، يعتمد على عدم اللجوء إلى العنف، وعلى ضرورة تحويل الاعتصامات، والتظاهرات ومختلف أشكال الاحتجاج السلمية، إلى أسلوب سائد في مجابهة طويلة الأمد مع الاحتلال، لا يتحقق الفوز فيها بالضربة القاضية بل بالنقاط، أي مراكمة الفوز في مجابهات محدودة، وذات أهداف محددة، بأقل قدر ممكن من الخسائر المادية والسياسية.

ولا نعرف، حتى الآن، ما إذا كانت مجابهة البوابات الإلكترونية، في القدس، هي النقلة الافتتاحية الأولى على طريق انتفاضة ثالثة توقّعها، في الأيام الأخيرة، ما لا يحصى من الساسة والمٌعلّقين. فالواقع مُثقل بكل عوامل الانفجار التي تجعل من أمر كهذا ممراً إجبارياً لفتح كوّة في أفق سياسي مُغلق.

ولا ينبغي النظر إلى التراجع التكتيكي من جانب الإسرائيليين في موضوع البوابات الإلكترونية كضمانة كافية للحيلولة دون اندلاع مجابهة جديدة على نطاق واسع. وهذا يصدق، أيضاً، على موقف الفلسطينيين، فالفوز المحدود في الأقصى يبدو سبباً كافياً للتحريض على رفع سقف المطالب في مجابهات لاحقة. وفي كل الأحوال، إذا فشل الإسرائيليون في جر الفلسطينيين إلى دائرة العنف، فإن ما تحقق من فوز بالنقاط في الأقصى يمكن تكراره، وبالنقاط أيضاً، في مجابهات لاحقة.