ولدان سوريان يحملان علم المعارضة السورية.(أرشيف)
ولدان سوريان يحملان علم المعارضة السورية.(أرشيف)
الثلاثاء 1 أغسطس 2017 / 19:50

عن المضاربة في الحرب والاستثمار في الثورة

السوريون، وهم أصحاب رأس المال، يخسرون حتى اليوم ثورتهم وبلدهم، بينما يبدو أن النظام الأسدي، وداعش، يربحان، على الأقل كونهما لم ينهزما حتى اليوم،

صادفت سيطرة داعش على الرقة في نهايات 2013 بداية نعي الثورة السورية من قبل عدد غير قليل من النشطاء السلميين الذين اضطروا إلى مغادرة سوريا هرباً من بطش النظام، ومن ممارسات فصائل معارضة مسلحة أقل تطرفاً من داعش وجبهة النصرة.

فعندما رفع سلاح الفصائل صوته ضد الناشطين، وفق تفسير السلاح لأسباب ثورة السوريين على نظام الأسد، علا صوت من خرجوا "نصرة لهذا الدين" بقدر علو صوت النظام في وجه "العصابات الإرهابية"، وعلو صوت "خلافة داعش" وولايتها على السوريين، في مقابل كبت صوت من خرجوا من أجل سوريا مدنية، ومن أجل كرامة السوريين.

هذا صادف، أيضاً، صعود داعش في العراق، واحتلاله الموصل في يونيو (حزيران) 2014، منهياً الاحتجاجات المدنية للطائفة السنية في غرب العراق، بعد محاولات نوري المالكي قمع المحتجين في الأنبار والموصل.

داعش الدولي، كظهير للنظام الأسدي وإيران، فعل فعله أيضاً. وحتى نهاية 2013، لم تكن بروباغندا النظام عن الإرهاب، والمتمردين، والعصابات المسلحة، مقنعة للمجتمع الدولي. لكن أمريكا وجدت كل المبررات لتشكيل "التحالف الدولي لمحاربة داعش" في صيف 2014، دون أن تقول صراحة أنها مقتنعة بادعاءات النظام الأسدي.

على كل حال، هذه استعادة لبديهيات أدت إلى بداية تعويم النظام مع ظهور داعش، تبعتها خطوة التدخل الروسي المباشر في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015، وصولاً إلى نهاية عام 2016 والسيطرة على مدينة حلب كاملة، وما تلا ذلك من سقوط تسلسلي لمناطق أسمتها روسيا "مناطق تخفيف التوتر"، وآخرها هدنة الجنوب التي تداخلت فيها إرادات روسية وأمريكية وإسرائيلية وأردنية.

بنظرة جغرافية، حدث ذلك كله في وسط سوريا وشمالها وجنوبها. الساحل مستقر للنظام أصلاً، بينما ظلت المعركة المؤجلة مع داعش في شرق سوريا، وما يليها من شمال غرب العراق، على الرغم من قرع طبول الحرب ضده مبكراً. أما أعالي الجزيرة فتبدو مستسلمة للسيطرة الكردية في فراغ تركه كلٌّ من النظام، والفصائل المعارضة المسلحة، والفصائل المتأسلمة. ولا حاجة هنا إلى التذكير أن "الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة" ليس له في العير أو النفير، ولا يقوى على السياسة أو السلاح.

النتيجة اللحظية تقول إن الفصائل تخسر معركتها مع النظام، وإن لم ترفع الراية البيضاء بعدُ. كما خسر الناشطون معركتهم مع الفصائل المسلحة التي دفعت دماً كثيراً خلال مراحل معارضتها للنظام، لكن دون فاعلية سياسية. والمحصلة أن الفصائل أنهت الثورة السلمية دون أن تنهي النظام.

هنا، لا ندعو إلى العودة إلى جدل الثورة السلمية، والثورة المسلحة، فإسقاط النظام كان في حاجة إلى الوسيلتين معاً كي يسقط، وأي منهما منفرداً لا ينفع مع نظام هذه طبيعته منذ استيلائه على سوريا في عام 1970. لكنَّ انفصال الوسيلتين، وتسلط حملة السلاح على المدنيين، وعدم تنسيقهم مع ما تبقى من المستوى السياسي الحامل للواء الثورة، أدى إلى هذه النتيجة. وفي قلب هذه العملية القيصرية للثورة، لعبت دول الإقليم، والمجتمع الدولي، دور القابلة غير القانونية، خلال سبع سنوات، وليس سبعة أشهر، فلم يأت طفل الثورة "ابن سبعة"، أو خديجاً، لكنه لحسن الحظ مازال حياً.

وللمقارنة، في عالمنا اليوم، يربح كثيرون دون أن يساهموا في رأس المال، بل قد يربح الوسطاء والسماسرة أكثر مما يربح أصحاب رأس المال. وقد يخسر صاحب المال ويربح الوسطاء.

السوريون، وهم أصحاب رأس المال، يخسرون حتى اليوم ثورتهم وبلدهم، بينما يبدو أن النظام الأسدي، وداعش، يربحان، على الأقل كونهما لم ينهزما حتى اليوم، ولم يدفعا قرشاً في رأس المال السوري.

والسؤال: هل سيستمر النظام الأسدي، وداعش، في تحقيق أرباح المضاربة طويلاً، دون أن يخسر السوريون بلادهم نهائياً؟
جواب السؤال في مثال البورصة، حيث يمكن أن تخسر معظم أموالك هناك. لكن ذلك يبقى نظرياً، ما دمت لم تتخلَّ عن رأسمالك المتناقص، ولم تبع أسهمك عند الأسعار المنخفضة. والبورصة نفسها، كمؤسسة يمكن أن تخسر نظرياً أيضاً. كما يمكنها تعويض خسائرها حين يرتد السوق، عاجلاً أو آجلاً، في الاتجاه المعاكس، لتعوض خسائرك، أو تربح، بعد أن تكون قد أُجبرت على التضحية بوقت رأسمالك، وضحيت بأرباح افتراضية سريعة دعتك للاستثمار في البورصة.

ففي عالم البورصة، غير البعيدة نفسياً من عالم السياسة، يظن المضاربون أنهم يربحون دائماً، باستغلال الدخول السريع إلى السوق، والخروج منها، وتحقيق أرباح بأقل قدر من المخاطرة.

هذا في المدى القصير، وعلى مستوى عدد قليل نسبياً من المضاربين، أما من يربح دائماً فهم المستثمرون، الذين ينظرون إلى أهدافهم استراتيجياً، ويصبرون على الخسائر العاجلة في سبيل تحقيق الأرباح الآجلة، الكبيرة غالباً. على عكس منطوق المثل المصري "خسارة قريبة، ولا مكسب بعيد".

الفرنسيون استثمروا في بورصة ثورتهم كل أموالهم، ولم يبدأوا في تحقيق الأرباح قبل سبعين سنة من مغامرتهم بنظامهم الملكي، الذي عاد على شكل امبراطورية وملكية مرات، فمات الجد والأب والحفيد ليجد الحفيد الثاني الجمهورية الفرنسية الثالثة أمامه.

أما السوريون، فاستثمروا في بيئة عولمية أكثر تعقيداً من بيئة لويس السادس عشر، ونالهم من القتل والغدر والدمار أكثر مما تعرض له حملة ثورات التاريخ مجتمعة، مع تشابه لابد منه مع تلك الثورات كقاسم مشترك، من مغامرين، ومراهقين، وخونة، وأخيار ساذجين، ونار كامنة تحت الرماد.

وبكثير من الصبر على الآلام، ستتحول ما تبدو أنها أرباح للمضاربين في نظام الأسد، وداعش، إلى أرباح للسوريين الذين استثمروا في ثورة الكرامة ما سيصحح التاريخ حتماً.