رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو.(أرشيف)
رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو.(أرشيف)
الأربعاء 2 أغسطس 2017 / 19:39

الثالوث الذي يفتك بباكستان

كانت الصراعات الأفغانيّة والتورّط الباكستانيّ فيها عنصر تعزيز للقبضة العسكريّة – الأمنيّة على حساب الحياة السياسيّة واستقرارها

جاءت إقالة نوّاز شريف، رئيس الحكومة الباكستانيّة، قبل بضعة أيّام، لتجدّد طرح الإشكالات الكبرى المحيطة بتجربة الاستقرار الديمقراطيّ في هذا البلد، بلد الـ 194 مليون نسمة. الأمر بدا بمثابة الصدمة لمتفائلين متسرّعين راهنوا على قدر من الاستقرار الديمقراطيّ مع عودة نوّاز من منفاه السعوديّ في 2012، بعد أكثر من عقد قضاه فيه.

والحال أنّ الفضيحة الأخيرة التي اندلعت من "أوراق بنما"، وكان عنوانها تهرّب شريف من التصريح عن ثروته، أعادت إلى الذاكرات أنّ عهود نوّاز السابقة على نفيه لم تبرأ من اتّهامات بالفساد وُجّهت إليه شخصيّاً. ذاك أنّ الفساد كان ولا يزال، على ما يبدو، أحد الأضلاع الثلاثة في المثلّث الذي يفتك بالديمقراطيّة الباكستانيّة. ومعروف أنّ عائلة بوتو كانت قد سبقت نوّاز شريف في اكتساب هذه السمعة الرديئة. هكذا لم يكن من المبالغة قول بعضهم إنّ الفساد عطّل تجربة متقدّمة كانت الراحلة بنازير بوتو تملك بعض مواصفاتها، كامرأة وكمتعلّمة ذات تطلّعات ليبراليّة.

أمّا الضلع الثاني الذي قد يجوز وصفه بتوأم الفساد فهو دور العائلات في السياسة، أو بالأحرى انبناء الحياة السياسيّة على التركيبة العائليّة.
فها هو نوّاز شريف، واستناداً إلى المقاعد النيابيّة التي يحرزها حزبه، "الرابطة الإسلاميّة لباكستان – نوّاز"، يقترح أن يخلفه شقيقه شاهباز في رئاسة الحكومة. وكان شهباز قد حلّ أصلاً محلّ أخيه في رئاسة حكومة البنجاب. وأيضاً، كان قد سبق لآل بوتو أن ضربوا الرقم القياسيّ في هذا السلوك العائليّ: من الوالد ذو الفقار علي بوتو إلى بنازير بالتشارك مع أمّها نصرت، ثمّ الصراع الدامي بين بنازير وأخيها مرتضى الذي انتهى باغتياله الغامض في كراتشي عام 1996.

أمّا الضلع الثالث فهو الجيش. ذاك أنّه، وعلى يد اسكندر ميرزا ثمّ خصوصاً محمّد أيّوب خان في 1958، بدأ مسلسل الانقلابات العسكريّة. هكذا تمّ تصديع الحلم الذي ساور البعض في 1947، تاريخ ولادة باكستان، من أنّ دولة مسلمة وديمقراطيّة سوف تنشأ.

في هذا المسار العسكريّ الذي شكّل إعدام ذو الفقار علي بوتو في 1979 إحدى محطّاته الكبرى، لعب ثلاثة جنرالات دور التصليب لما أرساه الجنرال محمّد أيّوب خان: الجنرال محمّد يحيى خان الذي حكم بين 1960 و1971 وانتهى عهده بهزيمة مطنطنة نشأت بنتيجتها دولة بنغلادش، والجنرال محمّد ضياء الحقّ الذي حكم بين 1978 و1988، حين اغتيل، ثمّ الجنرال برويز مشرّف الذي حكم بين 2001 و2008.

هكذا لم تدم "الأعراس الديمقراطيّة" المتقطّعة التي عرفتها باكستان في التسعينات إلاّ سنوات قليلة نسبيّاً، ولم تشارك بلداناً أخرى في آسيا انتقالها إلى الديمقراطيّة.

ودائماً، كانت الصراعات الأفغانيّة والتورّط الباكستانيّ فيها عنصر تعزيز للقبضة العسكريّة – الأمنيّة على حساب الحياة السياسيّة واستقرارها. لكنّ ما كان يزيد البؤس بؤساً أنّ السياسيّين المدنيّين، لا سيّما منهم بنازير بوتو، هم أكثر من دفعوا في هذا الاتّجاه هذا.

اليوم، وفي جردة حساب إجماليّة، يتبدّى كم أنّ تبرير نشأة باكستان بالتمايز الدينيّ عن الهند ليس مقنعاً، أو في أحسن الاحوال، ليس كافياً. ففي 1971، وفي موازاة الحرب الطاحنة التي شملت شبه القارّة الهنديّة كلّها، استقلّت بنغلادش – المسلمة أيضاً – عن باكستان، من دون أن تحول وحدة الدين دون ذلك. هذه التجربة الباهظة الكلفة لم يخرج منها السياسيّون الباكستانيّون، حتّى يومنا هذا، بما يلزم من دروس وعِبَر.