ملصق لمسرحية "ماركس في سوهو".(أرشيف)
ملصق لمسرحية "ماركس في سوهو".(أرشيف)
الخميس 3 أغسطس 2017 / 20:16

في كيفية تغيير العالم..كارل ماركس في سوهو!

هذه المسرحية المثيرة للجدل تتبنى فكرًا نقديًا لافتًا هو تفكيك اليوتوبيات السياسية ومنها الماركسية

اختار الكاتب والناقد والمؤرخ الأمريكي اليساري هاوارد زين أن يفكك الأنظمة السياسية الشيوعية في العالم من خلال مسرحيته المثيرة للجدل"ماركس في سوهو" التي كتبها عام 1999. في هذه المسرحية يعود المفكر الألماني كارل ماركس إلى الحياة بعد موته لينتقد تطبيقات الماركسية بعد وفاته، وهي التطبيقات التي تأسَّست في بدايتها مع ثورة أكتوبر الاشتراكية أو الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 التي أنهت حكمًا قيصريًا استمرَّ لعدة قرون. وها هو ذا ماركس يُستعاد مرة أخرى ليحاكمَ هذه التطبيقات السياسية الخاطئة لأطروحته الخاصة بتغيير العالم وبالبنى الاجتماعية والاقتصادية وصعود طبقة البروليتاريا عالميًا أو "الطبقة الأممية".

تحضر في هذه المسرحية زوجة ماركس جيني وهي تعترض على زوجها في كون كتابه "رأس المال" الذي أراده أن يكون في خطابه موجّهًا إلى العامة من الفقراء والمهمشين صعبًا جدًا، ويكاد يكون نخبويًا لايفهمه إلا القلائل المتمرسون في الفكر والفلسفة والثقافة. والمفارقة كما تقول زوجته إنَّ البيان الشيوعي الذي كتبه ماركس مع رفيقه المفكر الألماني فردريك إنجلز أجازته الرقابة الألمانية آنذاك لأنَّ لا أحد يفهمه!

إنَّ هذه المسرحية المثيرة للجدل تتبنى فكرًا نقديًا لافتًا هو تفكيك اليوتوبيات السياسية ومنها الماركسية. والمسرحية تريد أن تؤكد وتبين كم التشويه الكبير والمغلوط لفلسفة ماركس ولرؤيته الخاصة بتغيير العالم. وبأنه لم يدعُ يومًا لأن تتحوَّل فلسفته إلى تطبيقات سياسية غيَّبت الإنسان وشوَّهت جوهره خاصة مع التطبيقات المتشدِّدة في عهود كل من ستالين في روسيا وماوتسي تونج في ثورته الثقافية في الصين، وهي الثورة التي حصدت أرواح الملايين من الصينيين في أعوام قليلة، وهي الثورة التي فرضت رقابة صارمة جدًا على الإنسان الصيني عبَّرت عنها الكاتبة الصينية البريطانية جونغ تشانغ في سيرتها الذاتية "بجعات برية، دراما الصين في حياة ثلاث نساء1909_1978).

أراد المفكر البريطاني إريك هوبزباوم أن يسرد قصة الماركسية في كتاب" كيفية تغيير العالم، حكايات عن ماركس والماركسية"، ويساءل هوبزباوم سؤالاً كبيرًا هو الكيفية التي يجب علينا بها أن نفكر بالماركسية في عصر ما بعد الشيوعية، ويخلص هذا المفكر إلى أننا بحاجة إلى إعادة قراءة جديدة لأفكار كارل ماركس في مظانها الأساسية بعيدًا عن التطبيقات المشوِّهة التي ربطتها بالاتحاد السوفييتي والأنظمة السياسية ذات الصلة به في الصين وفيتنام وكوبا وبعض دول أمريكا اللاتينية. كما لاحظ هذا المفكر أنَّ الماركسية في عددٍ من الأنظمة الثورية اليسارية بما فيها الوطن العربي كانت مرتبطة أكثر بالحركات التحررية من الاستعمار أكثر من ارتباطها بفهمٍ حقيقي لما دعا إليه ماركس. ورغم انحسار الشيوعية في العالم خاصة بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي المعقل الرئيسي لها إلا أننا بحاجة إلى استعادة الفكر النقدي في تفكيكها وفي تفكيك اليوتوبيات المضللة التي اعتمدت عليها وفي مقارنتها بالفكر الذي تزعم أنها صادرة عنه. وبين ما يُزعم أنه مصدر وبين ما يُزعم أنه تطبيقات ثمَّة قدر كبير من سوء التأويلات والأفهام المشوهة المغلوطة! فقط نحن بحاجة إلى أن نفكك نقديًا لا أن نسرد حكايات!