مخلفات القصف في سوريا.(أرشيف)
مخلفات القصف في سوريا.(أرشيف)
الثلاثاء 8 أغسطس 2017 / 20:15

انغلاق دارتي الحرب على سوريا على احتمالاتهما

في سوريا، مساران رئيسان للحرب عليها، الأول في جزء من شمالها، وفي وسطها، وجنوبها، بالتشارك بين النظام الأسدي وروسيا وإيران وميليشيا "حزب الله"؛ والثاني في شرقها ضد داعش. وهنالك مسار مؤجل قد ينفجر في المستقبل القريب في إدلب، إذا لم يطالها موسم مناطق خفض التوتر الروسي.

ولأن روسيا تبدو اللاعب الرئيس في هندسة مناطق خفض التوتر، بداية من المناطق الأربع، ثم هدنة المنطقة الجنوبية الغربية، قبل الغوطة الشرقية، وشمالي حمص، تبدو أمريكا في منطقتها الشرقية آمرة ناهية دون دور لروسيا في ما تبقى من مناطق داعش.

مبدئياً، سيكون الهدف الروسي شبه مستحيل إذا فكرت في إنشاء منطقة خفض توتر في إدلب، حيث تسيطر "هيئة فتح الشام" على المحافظة بشكل شبه مطلق بعد صدامها مع "حركة أحرار الشام" في الأسابيع الأخيرة، وفرار معظم قادة الأخيرة إلى تركيا.

روسيا شاركت أمريكا في تلك الأماني السياسية في هدنة الجنوب الغربي، وفي هدنة الغوطة، بغض النظر عن البدايات المتعثرة وخروقات النظام الأسدي لوقف إطلاق النار في معظم الحالات. كما شاركت موسكو "تيار الغد السوري" في هذه الرؤيا، دون معرفة تفاصيل كافية حتى اليوم عن حجم التواجد السياسي للتيار الذي يتخذ من القاهرة مقراً له بعد أن ساءت علاقة رئيس التيار، الرئيس السابق للائتلاف وقوى الثورة والمعارضة، أحمد الجربا، مع تركيا، لينشئ التيار في القاهرة، ويتحرك منها في اتجاه روسيا، وأمريكا، والمملكة العربية السعودية.

ترافق الترويج لمناطق خفض التوتر، هذه الأيام، مع تغيرات سياسية تابعة على مستوى المعارضات السياسية، بعد أن خفت صوت المعارضات العسكرية نتيجة قطع الدعم عنهم، وصولاً إلى خبر قطع تركيا الرواتب عن الائتلاف ابتداء من أغسطس (آب) الجاري (320 ألف دولار شهرياً). هذا ترافق مع طلب العاصمة الرياض عقد اجتماع لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" لإعادة تشكيل الهيئة من الأطراف والأشخاص الراغبين في وجود بشار الأسد في فترة انتقالية تحقق وقفاً شاملاً لإطلاق النار، والبدء بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وكتابة دستور موقت، تمهيداً لمرحلة استقرار وسلام بعد أكثر من ست سنوات من بداية النظام الأسدي للمقتلة السورية.

لكن المعلن في السياسة السعودية أن موقفها لم يتغير، وأن تخوفات المعارضات السورية، والهيئة العليا للمفاوضات في غير محلها.

مع ذلك، يبدو أن توقعات المنجمين سبقت فعل السياسيين، فعام 2017 هو بداية الحل السوري، تمهيداً لاستقرار يبدأ عام 2018. هكذا قال المنجمون في نهايات العام الماضي.

بالطبع، يخص ذلك القسم الغربي من سوريا، إذا افترضنا أن سوريا تتوافق مع لغو بشار الأسد حول سوريا المفيدة وسوريا غير المفيدة، لكن مساحة "المفيدة" تصل فقط إلى أكثر بقليل من ثلث مساحة الدولة السورية، أي 74 ألف كيلومتر مربع، من ضمن مساحة البلاد البالغة أكثر من 185 ألف كيلومتر مربع، ما يعني أن إدلب، والرقة، وبادية حمص، وديرالزور، غير مشمولة في توقعات المنجمين والسياسيين.

وإذا سارت "معركة" الرقة على خطا الحرب على داعش في الموصل، أي تسعة أشهر غير مؤكدة النتائج، مع تدمير 80% من البنية التحتية والمساكن في الموصل، سيكون من الصعب التفكير بتعميم مناطق خفض التوتر في شرق سوريا.

مبدئياً، هذا مستبعد مع وجود داعش، كما هو مستبعد في إدلب مع هيئة فتح الشام، ليس فقط لأن هذين الطرفين مصنفان على أنهما تنظيمان إرهابيان، بل لأن القبضة الروسية رخوة فيهما، مع الإشارة إلى احتمال أن تكون القبضة الأمريكية قوية في الرقة، خاصة إذا تمت السيطرة على المدينة خلال فترة غير طويلة.

أكثر من ذلك، كل مناطق خفض التوتر التي تشاركت روسيا وأمريكا في رعايتها كانت ضمن نطاق سطوة نسبية للطيران الروسي، بينما لم يُسجَّل حتى اليوم تنازل أمريكي لصالح روسيا في ما اعتبرته أمريكا مناطق تحت سيطرتها.

إذاً، يمكن النظر إلى سوريا كدارتين كهربائيتين منفصلتين لا ربط بينهما، وفي كل منهما من يغذي التوتر، ومن يخفض من ذلك التوتر. بكلام آخر، سوريا مقسمة الآن بين أمريكا وروسيا، مع التذكير أن أمريكا تمد أسلاك تيارها في ما يلي منطقة المخاوف الإسرائيلية، وكتفصيل صغير بين موسكو وواشنطن، هنالك اتفاق على إبعاد إيران وحزب الله عن المنطقة التي يأتي منها خوف إسرائيل.

الآن، كيف يمكن وصل الدارتين، ومن يمكن أن يخاطر في ذلك؟

هذا هو السؤال، حيث يبدو التفاهم الروسي الأمريكي حقيقياً، أو ضمنياً، بعدم إحداث شرارة تحرق الحدود بينهما. يبقى جيش النظام والميليشيات التي تتقدم في ريفي الرقة وديرالزور الجنوبي في بادية ممتدة يشاغلهم فيها داعش دون معارك حقيقية، كون التنظيم يحاول ترتيب أوراقه أثناء هروبه من الرقة، ويستعد لمعركة ستكون كبيرة وطويلة في ديرالزور (33.060 ألف كيلومتر مربع). لكن النظام لن يتمكن من دير الزور منفرداً حتى بعشر سنوات، ما لم يكن مدعوماً بالطيران الروسي، مثلما حدث في حلب، وريف حماة، وريف حمص، وريف اللاذقية الشمالي. ودون ذلك ممانعة أمريكا، أو موافقتها على ذلك.

هذا يعني أن اللاعبين في سوريا سيؤجلون إعلان عودة سوريا الموحدة، بدارة كهربائية واحدة، إلى أن تتم السيطرة على ديرالزور، وإبعاد داعش منها، دون أدنى أمل في ذلك ما دامت دوائر محاربة داعش منفصلة، أو منفصمة.