الرئيس الصيني شي جينبنغ والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
الرئيس الصيني شي جينبنغ والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.(أرشيف)
الأربعاء 9 أغسطس 2017 / 20:12

بين أوروبا وآسيا.. اليوم

في هذه الأيّام نعيش احتمالي حرب في آسيا. والاحتمالان هذان، إذا قُيّض لهما التحقّق، سيؤدّيان إلى كارثتين يصعب توقّع حجميهما

صحيح أنّ لغة الأرقام والوقائع، خصوصاً الاقتصاديّة منها، تقول على نحو قاطع إنّ آسيا سرقت الضوء من أوروبا. يكفي التذكير بالقفزات الصينيّة الهائلة في العقدين الأخيرين. بـ "النمور" و"التنانين" الآسيويّة. بموجة الانتقال التي بدأت في التسعينات إلى الديمقراطيّة، مقلّدةً السابقة اليابانيّة. بل بمدى إفادة بلدين جبّارين كالصين والهند من العولمة، وبالتالي تحرّر مئات ملايين البشر في البلدين من الفقر، وأحياناً الفقر المدقع.

لكنْ لنلاحظ أيضاً أنّنا في هذه الأيّام نعيش احتمالي حرب في آسيا. والاحتمالان هذان، إذا قُيّض لهما التحقّق، سيؤدّيان إلى كارثتين يصعب توقّع حجميهما.

- احتمال حرب بين الصين والهند حول هضبة دوكلام، يخوضها جيشان مليونيّان، وراءهما اقتصادان بالغا الضخامة وخزين تقنيّ بالغ التطوّر.

- واحتمال حرب، قد لا تقتصر على الولايات المتّحدة الأمريكيّة، مع كوريا الشماليّة. تحقُّق مثل هذا الاحتمال قد يتأدّى عنه تدمير هائل يُرجّح أن يصيب كوريا الجنوبيّة. حزمة العقوبات الأخيرة التي تبنّتها الأمم المتّحدة، وتغيّر الموقف الصينيّ، واللغة الملتهبة في واشنطن وبيونغ يانغ...، كلّها لا تبعث على الاطمئنان.

احتمالات كهذه لم تعد واردة إطلاقاً في أوروبا. ذاك أنّ الحروب صارت فعلاً وراءها، وقد أُغلقت آخر بؤر التوتّر في إيرلندا الشماليّة وبلاد الباسك بإسبانيا. أمّا ما قد يحصل في بلدان يوغسلافيا السابقة، أو عموم أوروبا الوسطى والجنوبيّة – الشرقيّة فيُستبعد أن يكون له أثر مباشر على استقرار أوروبا الغربيّة.

هذا كلّه لا يلغي الانتكاسات التي كان آخر تعابيرها تصويت بريكزيت في بريطانيا وما يترتّب عليه من توتّر سياسيّ بين لندن وبلفاست، أو بينها وبين باقي عواصم القارّة، وكذلك بروز المعارضات الشعبويّة للاتّحاد الأوروبيّ في عدد من بلدان أوروبا. غير أنّ من المستبعد جدّاً أن يتعدّى التوتّرُ ضفافَ السياسة ليتّخذ شكلاً عسكريّاً وعنفيّاً. إلى ذلك، بات من الواضح، على رغم انتكاسات الديمقراطيّة، أنّ الخيار الديمقراطيّ ليس بلا أنياب: هكذا أُسقطت مرشّحة "الجبهة الوطنيّة" مارين لوبن في الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، وعجز الشعبويّون القوميّون عن الحصول على كتلة برلمانيّة وازنة في هولندا، أو على مقعد رئاسة الجمهوريّة الرمزيّ في النمسا. والأهمّ، أنّ ألمانيا ستصوّت، في سبتمبر (أيلول) المقبل لصالح أكثريّة من حزبي الوسط، المسيحيّ الديمقراطيّ والاشتراكيّ الديمقراطيّ، وفي أغلب الظنّ ستعود أنغيلا ميركل إلى المستشاريّة للمرّة الرابعة، ومعها سينتعش مجدّداً التفاؤل بمستقبل المشروع الأوروبيّ الذي كانت فرنسا قد انتصرت له.

في المقابل، لا تزال هناك، في الأفق الآسيويّ العريض، والمتعدّد الأقاليم، ستّ عقبات كبرى تجاوزت أوروبا ما قد يماثلها:

- أنّ الديمقراطيّة ودولة القانون لم تنشآ بعد في الصين التي هي بيضة قبّان القارّة على الأصعدة السكّانيّة والاقتصاديّة والاستراتيجيّة والثقافيّة معاً.

- أنّ ذيول الحربين العالميّة الثانية والباردة لم تُصفّ نهائيّاً بعد، وتمثّل دولة كوريا الشماليّة البرهان الحيّ على هذا.

- أنّ النزاعات الحدوديّة، القديمة منها والمتجدّدة، لا تزال تفتك بالعلاقات الصينيّة - الفيتناميّة، والفتناميّة - الكمبوديّة، ناهيك عن الأوضاع البينيّة للكوريّتين، والأوضاع الهنديّة الباكستانيّة التي يزيد في تسميمها النزاع على كشمير.

- أنّ بؤرة التوتّر الأفغانيّ لا تزال متفجّرة وذات امتدادات إثنيّة ودينيّة عابرة للحدود.

- أنّ ديموقراطيّات القارّة الآسيويّة، أو معظمها، ليست ديموقراطيّات ليبراليّة.

- وأنّ الديمقراطيّة الهنديّة – الأكبر بين ديمقراطيّات العالم – تعيش صراعاً يوميّاً مع نوازع التفتّت الدينيّ والإثنيّ واللغويّ. ناريندرا مودي وحزبه الشعبويّ – القوميّ تذكير بهذا الواقع.

المقارنة، عموماً، لصالح أوروبا. جعل المعطيات الاقتصاديّة والتقنيّة تنعكس انعكاساً مباشراً على السياسة، واشتقاق السياسة اشتقاقاً بسيطاً منها، عمل تبسيطيّ.