صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.(أرشيف)
صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.(أرشيف)
الأربعاء 16 أغسطس 2017 / 20:04

تفاؤلٌ.. لكنّه طفيف وحذر

نحن حيال نظام لا يجيد العيش إلاّ في الحروب والتعبئة ونبش أسوأ ما في الذاكرات وتأبيده. أمّا الانفتاح والسلام وفرص التبادل الاقتصاديّ والثقافيّ فأكثر ما يُرعبه

لحسن الحظّ، تراجع التراشق بالكلمات الناريّة، بل الذريّة، بين القيادتين الأمريكيّة والكوريّة الشماليّة. وثمّة كثيرون يراهنون اليوم على إيكال الأمر إلى الدبلوماسيّة ودورها، على أن تتولّى الصين هذا الدور. لا بل يذهب البعض إلى افتراض سيناريوات تبدأ بالمفاوضات السرّيّة وتنتهي بالتوصّل إلى اتّفاقات معلنة.

لكنّ التفاؤل الذي ظهر في الأيّام القليلة الماضية لا يزال طفيفاً وحذراً جدّاً. أسباب ذلك كثيرة تبدأ بطبيعة الرجلين صاحبي القرار، أي الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب والزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون. ذاك أنّ قدراً كبيراً من الاعتباط وصعوبة التوقّع الممزوجين باحتقار الدبلوماسيّة يجمع بينهما.

على أيّة حال فهذا التشابه لا يلغي الفوارق الكبيرة، والتي هي أيضاً أسباب للخوف:

فالولايات المتّحدة الأمريكيّة ليست ترامب وحده، إذ هناك مؤسّسات وقوى ضغط وكوابح على ممارسة السلطة قد تحدّ من قدرة الاعتباط. أمّا في كوريا الشماليّة فهناك كيم جونغ أون وحده، مثلما كان أبوه كيم جونغ إيل وجدّه كيم إيل سونغ وحدهما. إنّ مشيئة الزعيم هي المشيئة الوحيدة في الأمّة.

كذلك هناك فارق في الدور الذي يلعبه الحلفاء: فكوريا الجنوبيّة واليابان المتخوّفتان (لا سيّما الأولى) من الآثار التدميريّة لأيّة حرب عليهما، تستطيعان التأثير في قرار الحليف الأمريكيّ أكثر كثيراً ممّا تستطيع الصين وروسيا التأثير في قرار كوريا الشماليّة. لا بل ثمّة من يرى أنّ واحداً من أسباب السياسة النوويّة لبيونغ يانغ رغبتها العُظاميّة في التحوّل إلى عملاق آسيويّ يكسر الهيمنة العسكريّة للدول الكبرى على آسيا.

ثمّ إنّ السوابق تشير في الاتّجاه هذا: ذاك أنّ كوريا الشماليّة كانت دوماً الطرف الذي يخلّ بالاتّفاقات والتسويات. وهذا ما أعدم كلّ ثقة بها، ليس لدى الأمريكيّين فحسب، بل أيضاً لدى الآسيويّين والأوروبيّين.

وهذا السلوك مردّه إلى تركيب النظام الكوريّ الشماليّ نفسه، إن لم يكن دولة كوريا الشماليّة. فالأخيرة التي انبثقت من الحرب الكوريّة في 1953، والتي بموجبها قُسّمت شبه الجزيرة كما ابتدأت الحرب الباردة، لا تستطيع أن ترى إلى ذاتها إلاّ وهي في وضع حربيّ. فمن طريق التركيز على "الخطر الخارجيّ" و"الاختراق"، يصار إلى تعبئة المجتمع وإلى حجب تناقضاته الداخليّة. لا بل من خلال هذا التركيز يجري الالتفاف على إخفاقات الحكم الشيوعيّ (عمره 64 سنة) في سائر المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. وهذا ما يتجسّد، على الصعيد الإيديولوجيّ، في استحضار دائم لذاكرة 1953 وحربها. ذاك أنّ الأمريكيّين في تلك الحرب أحرقوا الشطر الشماليّ من كوريا الشماليّة ودمّروا مدنه وبلداته، الأمر الذي يعمل النظام بكدّ على تذكير مواطنيه به بوصفه تهديداً مطروحاً عليهم في كلّ لحظة. فحينما نشبت، مثلاً، الحرب الأمريكيّة في العراق عام 2003، بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي تبيّن كذبها، اغتنم النظام الكوريّ الشماليّ ذاك الحدث لإعادة نشر "نظريّته" وتعميمها: الأمريكيّون قادمون، وقد يخترعون الأسباب لتكرار ما فعلوه في 1953.

بلغة أخرى، نحن حيال نظام لا يجيد العيش إلاّ في الحروب والتعبئة ونبش أسوأ ما في الذاكرات وتأبيده. أمّا الانفتاح والسلام وفرص التبادل الاقتصاديّ والثقافيّ فأكثر ما يُرعبه.

ألا يذكّر وصف كهذا بأنظمة كثيرة في المحيط العربيّ، أنظمةٍ ترى في نظام كيم جونغ أون مثالاً أعلى لها؟