إماراتيتان تتابعان عملهن على اللابتوب.(أرشيف)
إماراتيتان تتابعان عملهن على اللابتوب.(أرشيف)
الجمعة 18 أغسطس 2017 / 20:08

كيف تأخذ المرأة حقها وأهلها يضحكون؟

ليست هناك قوة على الأرض يمكنها أن تحرم المرأة من حقها، إذ يمكنها في حال تعنّت الأسرة، أن تلجأ إلى جهات إنفاذ القانون لانتزاع حقها، لكن الثمن هو تصدّع بُنيان أسرتها

للمرأة في الإمارات حقوق نصّ عليها الدستور، والقوانين، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدولة، وثقها وجمعها في بحث منشور على الإنترنت الدكتور يوسف الشريف بعنوان "حقوق المرأة في التشريع الإماراتي"، لكن الإشكالية أن تمتع المرأة بالكثير من حقوقها مرهون بموافقة أسرتها.

وبطبيعة الحال، ليست هناك قوة على الأرض يمكنها أن تحرم المرأة من حقها، إذ يمكنها في حال تعنّت الأسرة، أن تلجأ إلى جهات إنفاذ القانون لانتزاع حقها، لكن الثمن هو تصدّع بُنيان أسرتها، وبالتالي تكون بين خياري الصمت عن هضم حقها، أو اللجوء إلى القضاء وهي ترفع شعار "أنا ومن بعدي الطوفان".

لنأخذ مثلاً حقّ المرأة في الزواج وتكوين أسرة، فتمتّعها بهذا الحقّ منوط بوالدها، فهو من يبارك من ارتضته زوجاً لها، فإذا ركب رأسه، لم يعد بوسع ابنته أن تحصل على حقها في تكوين أسرة سوى أن تقف في وجهه أمام المحاكم، أو تضع قبلة على جبين والدها المبجّل وتدخل غرفتها تبكي حلم تكوين أسرة.

وهكذا بالنسبة لحقوق المرأة الأخرى، كحقها في التنقّل والإقامة، والتعليم، والعمل، ومزاولة الأنشطة التجارية والثقافية والاجتماعية، كلها معلقة على قبول أو تقبّل أب أو زوج أو أخ، وليس أشخاص غرباء عنها لا تبالي حين تنتزع حقها منهم، ولعلّ حقها في التقاضي، مقاضاة أهلها، هو الحق الذي لا يحتاج قبولهم أو تقبّلهم، لكنها تفكر في ألف شيء وشيء قبل أن تستخدم هذا الحق.

كيف إذن نضمن تمتع المرأة بحقوقها ونضمن في الوقت نفسه عدم تأثير حصولها على حقها على علاقتها بأسرتها؟ برأيي أنه يمكن استلهام فكرة "نظام حماية الأجور" في هذا الصدد، فحين وُجد أن بعض الشركات تتباطأ في تسليم موظفيها أجورهم، أو تأكلها عليهم، فرضت وزارة الموارد البشرية والتوطين نظاماً آلياً يضع حداً لذلك.
  
فعبر آلية معينة تدخل فيها البنوك، والمصرف المركزي، والوزارة، يقبض الموظف راتبه بشكل دوري، وتتعرف الوزارة عبر ذلك النظام على الشركات غير الملتزمة، حيث يقوم النظام تلقائياً بإيقاف تصاريحها، وتغريمها، من دون تدخل أحد، ومن دون أن يلجأ الموظف إلى القضاء، مع ما يترتب على ذلك من تحدي ربّ عمله والتفريط بوظيفته.

وبمعنى آخر، الوزارة قالت للموظف: "أنت اهتم بعملك فقط، ونحن سنتولى التفاهم مع شركتك في موضوع أجورك"، حتى أصبح الموظف يقبض راتبه وربّ العمل يضحك معه، فمشكلة ربّ العمل أصبحت مع النظام وليس مع الموظف.

حقوق المرأة أيضاً في حاجة إلى آلية ما تكون فيها جهات إنفاذ القانون طرفاً في الموضوع، خصوصاً إذا كانت المرأة أماً أو بنتاً أو أختاً، إذ العبء النفسي على المرأة كزوجة أخفّ من عبء الأم والبنت والأخت، ففي حين تخاطر الزوجة بعلاقة تربطها بزوج قد تنفصل عنه إذا تعقدت المسألة، فإن الأم والبنت والأخت يخاطرن بمصير أسرة كاملة، وعلاقات لا يمكن تعويضها أو استبدالها، وبالتالي هن أحوج إلى آلية يتمتعن من خلالها بحقوقهن تلقائياً.

وبطبيعة الحال، علاقة موظف بشركته أقل تعقيداً بكثير من علاقة فتاة بأسرتها، فربما كانت القضية أعقد من أن تُحل من خلال آلية، وربما كنا في حاجة إلى قوانين أكثر تفصيلاً وإلزاماً تضمن للمرأة حقوقها، لكن القصد من طرح "قصة الموظفين مع الرواتب" هو الإشارة إلى فكرة دخول جهات إنفاذ القانون كطرف في العلاقة لضمان تمتع المرأة بحقوقها من دون أن تعرّض نفسها لعواقب النبذ والهجر والقطيعة وخسارة الأسرة، وربما عواقب تطال بدنها أيضاً، إذ من المهم الحرص دائماً على عدم وضع المرأة في موقع التي عليها أن تختار بين الدخول في صراع مع أهلها لتحصل على حقها، أو المحافظة على علاقتها بهم والصمت عن هضم حقها.

وقد اعتاد بعضهم رفع الحواجب دهشة عند الحديث عن حقوق المرأة في الإمارات، ذلك أن الدولة تكفل للمرأة حقوقها، وتتيح لذوات الكفاءة منهن بلوغ أعلى المراتب، لكن الكلام هنا حول تعاطي الأهالي مع حقوق المرأة، فصحيح أن غالبية الأسر تمنح أفرادها حقوقها من تلقاء نفسها، ومن دون أي إلزام قانوني، والحضور القوي للمرأة في المشهد العام يؤكد ذلك، لكن الحظ لا يحالف الجميع بأسر صاحب القرار فيها شخص محب، وعاقل، وحكيم.