الكاتب والصحافي والمترجم بدر الدين عرودكي (أرشيف)
الكاتب والصحافي والمترجم بدر الدين عرودكي (أرشيف)
الإثنين 21 أغسطس 2017 / 16:35

مبدعون سوريون.. أين هي الكتابة من فيض الدم في سوريا؟ (3)

كيف يمكن الكتابة عن حدث مأساوي بحجم الحرب؟ تبدو الإجابة عن سؤال كهذا أكثر تعقيداً في حالة الحرب السورية المستمرة منذ قرابة 7 سنوات، لما بلغته من درجة قبح، لم يسبق أن شهد العالم مثيلاً لها، كثير من المبدعين السوريين حاولوا مقاربة الواقع السوري المؤلم خلال سنوات الحرب؟ والإجابة عن تساؤلات كثيرة حول طبيعة ما يحدث، وكيف تفاعل الأدب شعراً ونثراً مع هذا المشهد المأسوي.

فهل استطاعت الأعمال الأدبية الجديدة تشخيص المأساة السورية؟ وما التغيرات التي طرأت على معالم الكتابة الإبداعية في سوريا في هذه المرحلة؟ وأخيراً: هل يمكن أن نطلق مسمى "أدب الحرب" على ما أنتجه الأدباء والكتاب السوريون حول الحرب في بلادهم خلال الست سنوات الماضية؟ وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، توجهنا إلى عدد من المبدعين السوريين:

بدر الدين عرودكي: أدب "المأساة السورية" لا الحرب

يقول الكاتب والصحافي والمترجم بدر الدين عرودكي: "أرى أن عليّ البدء بالقول إنني لم أقرأ كل ولا حتى معظم ما كتبه السوريون خلال السنوات الست الماضية عن سوريا في وضعها الثوري، ثم في حالتها الراهنة منذ ثلاث سنوات كبلد محتل، تتناهشه ذئاب العالم أجمع وتحتله قوة عظمى هي روسيا، وقوة إقليمية هي إيران التي تحلم بتحقيق أمجاد إمبراطورية خيالية مهما كان الثمن. لكنني أظن أن ما قرأته على قلته، يسمح لي بإبداء رأي سيبقى مع ذلك حذراً ونسبياً.

نعلم جميعاً أن الثورة حررت السوريين: تفكيراً وتعبيراً، وقد فاجأت الأقلام السورية العالم العربي، وهي تنطلق من عقالها وتتناول بلا حرج ولا خوف، بل ولا رقيب داخلي، كل ما طبع أعماق حياة السوريين: العذاب والسجن والقمع والآمال الخائبة والذاكرة المحطمة"، يقول الكاتب عرودكي ويضيف: "وانطلقت أصوات لم يسمع من قبل بها أحد، استطاعت جمعاً وفي سرعة قياسية أن تفرض الحديث عن أصوات سورية جديدة، أسهمت في تقديمها مواقع صحفية إلكترونية، ومراكز أو مجموعات بحوث ودراسات اتخذت موضوعها الهم السوري في تجلياته جميعاً: نظام الاستبداد، والثورة، والمهجر/المنفى. وبدا أن هم هذه الأصوات كان إعادة بناء الذاكرة السورية التي كان تغييبها التدريجي لصالحه أول أهداف النظام الاستبدادي غير المعلنة في سوريا.

كان الإنتاج الأدبي في أشكاله المختلفة أيضاً، كان غزيراً ووافراً، وكان السرد القصصي ولاسيما عبر الشكل الروائي صاحب الحظ الأوفر على صعيد الكم بوجه خاص. وكانت فيه جوانب المأساة السورية المختلفة الهم الأكبر، وربما الوحيد في نتاج أصوات روائية راسخة أو مخضرمة أو صاعدة في المشهد الأدبي السوري".

وعن تقييم الأدب السوري الجديد خلال سنوات المأساة، يؤكد عرودكي أنه "من المستحيل في مثل هذه العجالة تقويم هذا النتاج، ولا أظن أن الوقت قد حان بعد لمثل هذا التقويم، فالمأساة قائمة لا يزال يكتوي بنارها الجميع دون استثناء. والنتاج الأدبي يعاش ويكتب وينشر في قلب الحريق. ولابد من مسافة تسمح بالقراءة وبالتأمل. مسافة زمنية ولا شك، لم تتوفر بعد لأحد منا، وفي مقدمة هذه الأعمال برأي الكاتب عرودكي: "قصص وكتابات زكريا تامر فهو بنظري أهم من عبر عن العذاب السوري قبل الثورة وخلالها، وكتابه الأخير "أرض الويل" مثل بليغ على ذلك".

ويلفت الكاتب عرودكي إلى بعض التجارب بقوله: "تكاد أكثر عناوين الأعمال الروائية التي صدرت خلال السنوات الماضية تقول موضوع الهم السوري مباشرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: "عائد إلى حلب" لعبد الله مكسور، أو "طبول الحرب" لمها حسن، "السوريون الأعداء" و "الشاعر وجامع الهوامش" لفواز حداد، و "زجاج مطحون" لإسلام أبو شكير، و"جداريات الشام: نمنوما" لنبيل سليمان، و"لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة" و"الموت عمل شاق" لخالد خليفة، و"الذئاب لا تنسى" للينا هويان الحسن، و"لعنة الكاميديوم" لابتسام التريسي، و "الذين مسهم السحر" لروزا ياسين حسن، و"أبواب العدم" لسمر يزبك".

وأخيراً يختم الكاتب والمترجم عرودكي بتأكيده أنه "لو اعتبرنا هذه الروايات ممثلة لمجمل الإنتاج الروائي السوري المنشور خلال السنوات الخمس الأخيرة لأمكن القول إن فصلاً استثنائياً في تاريخ الأدب السوري يكتب اليوم تصلح له تسمية "أدب المأساة السورية"، لا "أدب الحرب"، لا أشك شخصياً في أن مثل هذه الأعمال ستكون تربة خصبة لدراسات قادمة تتناولها بوصفها وثيقة أو دلالة أو ــوهو بالفعل ما يحتاج إلى مسافة زمنية لتقريرهــ بوصفها مبدعاً أدبياً استثنائياً".