علما الأكراد والمعارضة السورية على أحد المباني في شمال سوريا.(أرشيف)
علما الأكراد والمعارضة السورية على أحد المباني في شمال سوريا.(أرشيف)
الثلاثاء 22 أغسطس 2017 / 19:47

رايات موقتة تحت خيمة الحرب على سوريا

لا رجوع عن الحالة التي وصلت إليها سوريا بعد 2011، ومن ضمن ذلك لن يرجع الأكراد عن مطالبهم بحقوقهم القومية. لكن هذه الحقوق تحتاج إلى اتفاق مع شركائهم في الأرض

يعود تاريخ إنشاء "مجلس سوريا الديمقراطية" إلى أواخر عام 2015، ومعها تم إنشاء "قوات سوريا الديمقراطية".
تشكيل المجلس والقوات جاءا بمبادرة من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، بمشاركة أطراف أخرى من المكونات الاجتماعية من الجزيرة، من عرب وآشوريين وإيزيديين، وغيرهم.

هذا المكون "الجزيري" فرضته طبيعة القوة المسيطرة، اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً. وبالطبع كان رأي المبادر حاسماً لجهة تنظيم هذه القوة السياسية العسكرية، إدارياً، ومن ناحية التمويل والتموين، وصولاً إلى الأهداف، من حيث أن سردية "المظلومية الكردية" في الجزيرة تسعى إلى إنشاء كيان كردي ديمقراطي لسكان المنطقة، مع ادعاء أن "الأكثرية الكردية" صاحبة الحق في إدارة المنطقة بشكل لم يُتفق عليه بين الأكراد أنفسهم، أو بين الأكراد ومواطنيهم السوريين في الجزيرة وعموم سوريا.

فالتباين بين الكرد، والعرب، ليس طارئاً، أو حديثاً، بمعنى أنه لم ينشأ في أعوام ما بعد 2011، لكنه كان أقل تمييزاً من الناحية الاجتماعية بين المكونين الكبيرين في الجزيرة، مقارنة مع الناحية السياسية الناشئة بعد إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة، وحرمان عدد كبير من الكرد من الجنسية السورية.

التباين السياسي ازداد مع ازدياد تسييس الأكراد في ما بعد صعود "حزب العمال الكردستاني" في تركيا منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين. ومع ازدياد عدد الأحزاب الكردية في المنطقة ازداد التباين السياسي بين المكونات الكردية المسيسة، بموازاة التباين بين العرب والكرد، ونشوء حال من عدم الثقة في الوسط الاجتماعي المتداخل بين الأحياء والقرى المختلطة، أو بين القرى المتجاورة الموصوفة بالكردية، أو العربية.

بالطبع، لا رجوع عن الحالة التي وصلت إليها سوريا بعد 2011، ومن ضمن ذلك لن يرجع الأكراد عن مطالبهم بحقوقهم القومية. لكن هذه الحقوق تحتاج إلى اتفاق مع شركائهم في الأرض، دون ذلك سيتعمق سوء الفهم من الطرفين، وما يمكن أن يكون حله بالقوة سيؤسس لمظلوميات تتوالد أعواماً وتستهلك أعمار أجيال مقبلة بقدر عمر أجيال العرب والكرد الذين سكنوا المنطقة.

ومن مظاهر سوء الفهم المؤسس على قوة السلاح ما يرويه أصدقاء عن اتجاه تفكير الناس حين يحاولون التمييز بين الكردي والعربي في "قسد"؛ فحين يسأل أحد سكان تل أبيض جاره إن كان المنتمي لـ"قسد" كردياً، يرد الطرف الآخر: لا، هو ديمقراطي، أي عربي.
وبالطبع، يوجد في قسد مكونات أخرى، لكن "التناقض" الأساسي في الفهم الشعبي يقتصر على تصوير وجود هذين المكونين فقط، الكردي والديمقراطي.

وكما طالت يوميات الثورة السورية، وفتحت نوافذها على العالم، أو أن العالم فتح نوافذه عليها، قد تطول حالة الاستقواء الكردي بالسلاح على العرب المدنيين، وعلى الكرد المدنيين، وقد تتكرس مظلوميات ستحمل السلاح في مستقبل قد لا يكون بعيداً.

وبالنظر إلى عدد الرايات التي يرفعها السوريون منذ 2011، وتزايد عددها، واختفاء عدد منها، وظهور غيرها، يمكن الآن رصد ثلاث رايات مرشحة للبقاء، فلا راية داعش وأخواتها، ولا رايات الفصائل الإسلامية الأخرى مرشحة للاستمرار مرفوعة، بما في ذلك رايات الميليشيات الإيرانية و"حزب الله". تبقى ثلاث رايات مرشحة للبقاء، راية النظام الأسدي، وراية الثورة، وراية "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي.

وفي الوقت الراهن، هنالك صراعات سياسية وعسكرية قائمة بين حملة الرايات الثلاث، وإن كان جانب من هذه الصراعات يبدو مؤجلاً، فالثورة لا تصارع الكرد، والكرد لا يصارعون النظام. أكثر من ذلك، يبدو الصراع في الأيام الأخيرة بارداً بين الثورة والنظام، مع توقعات أن يتم تكريس حالة من وقف إطلاق نار، دون التأكد إن كانت هذه الحالة ستؤسس لفترة سلام مستقرة وطويلة، ما يعني أننا سنرى عدداً أقل من الرايات في المستقبل المنظور.

بالعودة إلى بدايات الثورة في عام 2011، كان النظام والمعارضة يرفعان علم "الجمهورية العربية السورية". ومع بدء تسلح الثورة، اختار الثوار رفع علم الاستقلال للتمايز عن النظام الذي حاول إجهاض ثورتهم بالقتل والاعتقالات والحلول الأمنية.

الآن، ومع بدايات الدفع إلى حل للصراع، قد تسقط إحدى الرايتين، ليس بالضرورة بهزيمة إحداهما وانتصار الأخرى، لكن بالتأسيس الدستوري لحياة سياسية تنبذ فكرة الانتصار والهزيمة، بغض النظر عن مصير النظام الأسدي، أو مصير "رموز الثورة"، في شكل ما لحكم سوريا الانتقالية.

ما سنتحدث عنه مستقبلاً، وبالضرورة، هو دور الكرد في حكم سوريا الجديدة، فإن لم يطالبوا بنصيبهم من حكم "درعا"، مثلاً، ستكون لدى السوريين، ولدى الكرد أنفسهم، مشكلة في استقلال الكرد بحكم "القامشلي"، مثلاً.