الثلاثاء 22 أغسطس 2017 / 20:03

قطر والإخوان.... حصان خاسر يقوده حصان خاسر آخر

في الفترة التي سبقت وتلت وصول باراك أوباما إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009، امتلأت وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث ومراكز الضغط وما يسمى بمراكز العصف الذهني، بتقارير تصب جميعها في اتجاه واحد، وهو أن الخيار الأمثل أمام إدارة أوباما للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط التي تشهد حالة من التململ والغضب المكتوم والمعلن على السواء، هو في التقرب من "الإسلام المعتدل" متجسداً حصراً في جماعة الإخوان المسلمين.

هذه العقيدة الأمريكية التي تبناها أوباما بالكامل وجدت تمهيدها في تلك التقارير التي بينت الأحداث حجم الدور القطري فيها. فالدوحة وجدت في وصول أوباما إلى حكم أقوى بلد في العالم فرصة ذهبية سانحة، فعملت بدأب شديد وأنفقت المليارات في حملة تسويقية غير مباشرة للإخوان. ومن أفضل من الدوحة للعب هذا الدور؛ فقد صورت الدوحة نفسها بوصفها الوسيط والجسر بين الغرب، بما فيه أمريكا، وبين الأكثرية المسلمة في العالم العربي، بل وفي العالم، وذلك عبر التنظيمات والجماعات الإسلامية، الموجودة أساساً في الدوحة، أو التي بدأت تربطها علاقات تحالف وثيقة مع السلطات هناك.

لذلك يبدو اليوم مفهوماً وواضحاً اختيار أوباما في بداية فترة رئاسته الأولى القاهرة منطلقاً لمخاطبة شعوب المنطقة والمسلمين حول العالم، وليس مستبعداً أن تكون تلك توصية قطرية خالصة، لا للأهمية والثقل السياسي اللذين تشكلهما مصر، وهي تشكل ذلك بالفعل لكن هذا لم يكن ضمن أجندة الإدارة الأمريكية، بل لكون مصر في ذلك الوقت معقلاً ومنطلقاً لذلك "الإسلام المعتدل" أي الإخوان المسلمين، الذي بالغت الدوحة في تصوير حجمه وأهميته خصوصاً على المستوى الشعبي.

اليوم أيضاً بات واضحاً ما كان مستغلقاً على فهم الكثيرين في حينه، وهو قرار أمريكا التخلي عن حليفها التقليدي التاريخي، متمثلاً في نظام مبارك، والانحياز إلى الثورة التي قامت ضده في ما بات يعرف زوراً بـ "الربيع العربي"، والذي بذلت الدوحة الغالي والنفيس لكي يحقق هذا "الرييع" أهدافه، ولكي يظهر الإسلاميون القوة الرئيسة فيه، والأمر ينطبق على تونس وليبيا وبدرجة أقل على سوريا.

تكشف الوقائع اليوم أيضاً حقيقة أخرى مفادها أن الدوحة لعبت دوراً كبيراً في إحداث هوة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فسوقت عبر مراكز القوى داخل الإدارة الأمريكية، وعبر وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، لفكرة أن الإسلام السعودي (الوهابية) هو الذي أنتج القاعدة و11 سبتمبر وأن الحل لهذه المعضلة ولمواجهة "الإرهاب الإسلامي" ممثلاً في القاعدة بفروعه المختلفة، يكون بالتقرب من النسخة الإخوانية من الإسلام، وهذه النسخة جرى تصويرها أيضاً على أنها الأكثر براغماتية وقدرة على ضمان المصالح الأمريكية في العالم، مع ضمانات بأن هذا الاتجاه لا يشكل خطراً على حليف أمريكا في المنطقة، أي إسرائيل، وليس من ضمانة على ذلك أكبر من استعداد القطريين في تلك المرحلة الحرجة بفتح علاقات علانية مع إسرائيل وتبادل الزيارات بين مسؤولي الدوحة وتل أبيب. وبالتالي فقد أقنعت قطر إدارة أوباما بأنها تمسك بورقة الإسلاميين وبأنها قادرة على توجيه الدفة بما يخدم المصالح والرؤية الأمريكية ل "الشرق الأوسط الجديد" الذي ساهمت قطر نفسها في صياغة فلسفته والتنظير له.

في البداية، جرت الرياح بما تشتهي السفينة القطرية، وحقيقة الأمر أن القيادة السعودية كانت ترى وتراقب طوال الوقت، حتى وصلت، ومعها دولة الإمارات، إلى الاستنتاج المنطقي، وذلك عطفاً على وقائع وأحداث كانت الدولتان، أي الإمارات والسعودية، تراقبانها عن كثب، بما في ذلك التآمر الجلي والمثبت بالوقائع على البلدين، وهو (الاستنتاج) بأن قطر تريد استنزاف ورقة الإخوان حتى النهاية، وهي النهاية التي تصورتها تغيرا شاملاً في أنظمة الحكم في المنطقة مع قوة متزايدة لقطر تستلهم النموذج الإسرائيلي لدولة قائمة وسط محيط معاد لها، وهو العداء الذي كانت الدوحة مستعدة لتحمل كلفته ما دام يضمن لها تلك القوة والسيطرة والكلمة العليا مع حليفها الأمريكي في المنطقة.

لكن ما يرسم على الورق، وما يحاك في ليل، قد لا يتطابق مع الواقع نفسه. فالأحداث التي شهدتها المنطقة والعالم خلال السنوات القليلة الماضية، لم تسر بما يخدم السياسات القطرية. الإمارات والسعودية وقفا موقفا تاريخيا في دعم الثورة الشعبية المصرية للتخلص من حكم الإخوان بعد عام واحد فاشل لهم، ثم وقفا موقفاً أشد صلابة وحسماً من تنظيم الإخوان بإعلانه تنظيماً إرهابياً. بدأت الأوراق القطرية تتهاوى ومع هزيمة تيار إدارة أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اتخذت الأمور منعطفاً مختلفاً تماماً عن أحلام الدوحة وأوهامها، وحتى انقلاب تركيا الفاشل، جاء ليقول إن المدّ الإسلاموي لم يعد مقبولاً وأنه لا يلقى الشعبية الكاسحة في المنطقة، كما حاولت الدوحة التسويق طويلاً.

"الإسلام المعتدل" وفق النظرة القطرية القاصرة تبين أنه يحمل بذور التطرف والتشدد اللذين اكتوى العالم أجمع بنيرانهما، في حين بدأت ترتسم نماذج أكثر صدقاً وفعالية لإسلام معتدل حقيقي، مثلما بدأ يتجلى في دولة الإمارات بوصفها واحة حقيقية للتسامح واحترام الآخر وقبوله انطلاقاً من القيم السمحة للإسلام نفسه، وهذا يفسر العداء الشديد للدوحة تجاه الإمارات وتجاه ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تحديداً فهو يجسد عكس كل ما أرادت الدوحة تحقيقه وأنفقت المليارات من أموال الشعب القطري للوصول إليه.

حصان الإخوان اتضح أنه عاجز عن جري المسافات الطويلة، لكن مع تعنت الدوحة الأيديولوجي في الأزمة الأخيرة، بدأت الأمور تنحو منحى آخر، وبات السؤال المطروح اليوم، أمام هذه المغامرة القطرية الفاشلة، هل الإخوان هم حصان طروادة قطر في المنطقة، أم أن الحقيقة هي أن قطر هي حصان طروادة الإخوان؟ أم أننا أمام الحالة الغريبة لحصان خاسر يقوده حصان خاسر آخر؟