مقاتلة أمريكية تقلع من قاعدة أنجيرليك في تركيا. (أرشيف)
مقاتلة أمريكية تقلع من قاعدة أنجيرليك في تركيا. (أرشيف)
الأربعاء 23 أغسطس 2017 / 12:46

تركيا وقطر في محور المقاومة.. حلف دائم أم مؤقت؟

تناول المحلل السياسي إلياس فاهيدي، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمجلة "أوراسيا"، تداعيات أزمة قطر مع دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب على التحالفات الإقليمية في المنطقة، لافتاً إلى التحالف الثلاثي الجديد بين قطر وتركيا وإيران.

التقارب الثنائي بين قطر وتركيا ومن "محور المقاومة" يمكن اعتباره نقطة تحول من وجهة نظر مصالح دول إقليمية أخرى وتحديداً إيران

 ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن تركيا اتخذت منحى جديداً في سياستها الخارجية في عام 2016 يرتكز على تحسين العلاقات مع روسيا، والتعاون مع إيران، والإصرار على معارضة إقامة دولة كردية في سوريا بدلاً من محاولة إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
  
خيانة الولايات المتحدة لتركيا
ومذذاك، انحرفت السياسة الخارجية التركية من الناحية العملية عن المسار الذي حددته الولايات المتحدة ومن ثم اتخذت الأخيرة وأوروبا مواقف "فاترة" إزاء الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في عام 2016، وادعى بعض المحللين السياسيين أن الولايات المتحدة كانت العقل المدبر لهذا الانقلاب بطريقة أو بأخرى.

ويقول الكاتب: "رأت غالبية النخبة السياسية التركية أن إصرار الولايات المتحدة على مساعدة الميليشيات الكردية في سوريا (بما في ذلك وحدات حماية الشعب الكردية) وكذلك رفضها تسليم الناشط السياسي فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، يُعد بمثابة إشارات على عداء واشنطن تجاه أنقرة أو على الأقل نوع من الخيانة للعلاقة المشتركة بين البلدين، وقادت هذه التطورات إلى تعميق حالة التشاؤم تجاه سياسات الولايات المتحدة في تركيا".

تحالفات جديدة
وتعكس الأزمة بين قطر وحلفاء الولايات المتحدة (الرباعي العربي) الدعم الكبير الذي تحصل عليه قطر من إيران وتركيا، وفي سياق فرض الولايات المتحدة لعقوبات جديدة ضد إيران وروسيا. وبحسب كاتب المقال يكشف ذلك عن تحالفات سياسية جديدة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في منطقة غرب آسيا، إضافة إلى الجهود المبذولة من قطر وتركيا للتقرب من المحور الذي شكلته روسيا وإيران والصين "محور المقاومة" في مقابل التحالف "الغربي – العربي".

ولكن التساؤل المهم الآن، من وجهة نظر الكاتب، هو: "هل الاتجاه الحالي في المنطقة يشير إلى تشكيل تحالف جديد أو على الأقل يعني حدوت تغيير في التحالفات القديمة، أم أن المواقف التي تتخذها تركيا وقطر هي مجرد إجراءات مؤقتة؟"

ويجيب كاتب المقال على هذا التساؤل من خلال طرح فرضية مفادها أن التغيير في التحالف السابق في المنطقة الذي ضم محور الولايات المتحدة والدول العربية وتركيا في مواجهة المحور المعاكس الذي شكلته إيران وروسيا والصين قد أسفر عن ابتعاد لاعبين إقليميين (قطر وتركيا) عن المحور "الغربي – العربي" وتقربهما من المحور الشرقي "محور المقاومة".

المحور "الغربي – العربي"
ويلفت الكاتب إلى أن الفجوة في العلاقات بين الولايات المتحدة والرباعي مع تركيا وقطر قد بدأت منذ سنوات بسبب دعم الدولتين لجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها حركة اجتماعية وسياسية في العالم العربي. ونظراً إلى اتفاق السياسة الخارجية لكل من تركيا وقطر على إطاحة نظام الأسد، ورغم الاختلافات الجوهرية بين كل منهما مع السعودية والولايات المتحدة، فإن تركيا وقطر كانتا تتقربان بشكل ما نحو المحور "الغربي – العربي" الذي يعارض أيضاً استمرار نظام الأسد.

ولكن بعد أن عمدت تركيا إلى تغيير موقفها الرسمي من القضية السورية بسبب رفض الولايات المتحدة التوقف عن إنشاء منطقة كردية مستقلة بالقرب من الحدود التركية مع سوريا، باتت المشاورات الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران حول حل الأزمة السورية أكثر خطورة، وأسفرت حتى الآن عن عقد خمسة اجتماعات ثلاثية والاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل المساعدات الإنسانية في بعض مناطق الصراع المهمة مثل حلب، فضلاً عن إنشاء مناطق آمنة في سوريا.

تكتيك لا استراتيجية
ويلفت الكاتب إلى أنه مع تصاعد التوتر بين قطر والرباعي، بدأت الدوحة في الانحراف بعيداً عن المحور "الغربي – العربي" في ما يتعلق بالأزمة السورية وفي الوقت نفسه عمدت إلى التقرب من تركيا وإيران. ويبرهن ذلك على تشكيل تحالفات جديدة فعلاً في المنطقة. واللافت في هذا الخصوص أن تركيا أيضاً انتهجت سياسات مستقلة عن الغرب والحلفاء الإقليميين ولكن مع الحفاظ على علاقاتها السابقة مع الولايات المتحدة والسعودية من ناحية، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.

ويصف الكاتب قرار تركيا وقطر بالابتعاد عن المحور "الغربي – العربي" بأنه مجرد تكتيك يتم اتباعه في ظل الظروف الحالية ولكنه ليس إستراتيجية دائمة، بيد أنه يجب الآخذ في الاعتبار أن بعض التحالفات مثل التحالف العسكري والاقتصادي بين تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد بدأت بمثل هذه التكتيات وعلى هذا النحو من وسائل التعاون.

تركيا والناتو
ويقول الكاتب: "إن قطر في نهاية المطاف دولة عربية ولن تتمكن من الحفاظ على وضعها الحالي في غياب العلاقات الجيدة مع جيرانها العرب وكذلك تحتاج إلى الروابط مع الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى تركيا التي لديها ثاني أقوى جيش بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، فإن معظم هياكلها الدفاعية والأمنية ترتبط بصورة وثيقة مع الناتو".

ويؤكد الكاتب أن هذه العلاقة تتجسد في قاعدة انجرليك الجوية بمدينة أضنة التركية حيث تنتشر عشرات الطائرات الحربية التابعة لحلف الناتو، كما تشير مصادر مختلفة إلى وجود من 50 – 90 قنبلة ذرية من طراز B61 تحتفظ بها الولايات المتحدة في هذه القاعدة العسكرية.

ولذلك يعتقد الخبراء أنه حتى إذا قررت تركيا الخروج من الناتو فإن هذا لن يكون ممكناً قبل قرابة 20 عاماً، وعلاوة على ذلك فإن 60% من التجارة الخارجية التركية تتم مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن ثم فإن تركيا لن تغير موقفها من السعي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي أو حتى استبدال الشركاء التجاريين بغيرهم على الأقل على المدى القصير.

التحالف الثلاثي لقطر وتركيا وإيران
وفي ضوء ما سبق، يستنتج الكاتب أنه رغم تقارب تركيا وقطر من "محور المقاومة" ضد الغرب، فإن هذا القرار ليس إستراتيجياً ولا طويل الأمد، ولكنه سيؤدى إلى توسع نوعي وكمي في وقف إطلاق النار في سوريا، وربما تقرر تركيا تجاهل عقوبات الغرب الجديدة المفروضة على إيران وروسيا وقطر.

ومن ناحية أخرى، يشدد الكاتب على أن التقارب الثنائي بين قطر وتركيا ومن "محور المقاومة" يمكن اعتباره نقطة تحول من وجهة نظر مصالح دول إقليمية أخرى وتحديداً إيران؛ حيث يقود المزيد من التعاون بين المحور الثنائي الجديد (الذي شكلته قطر وتركيا) وإيران إلى تقويض جهود المحور "الغربي – العربي" لعزل إيران.

وفي الوقت نفسه يمنع تعاون إيران مع كل من قطر وتركيا دون تحول هذا المحور الثنائي إلى تهديد لإيران، ومع الآخذ في الاعتبار الوجود العسكري المتزايد لتركيا في قطر، تتضح أهمية وضرورة حرص إيران على التواجد في هذا التحالف الإقليمي جنباً إلى جنب مع تركيا وقطر.