الأربعاء 23 أغسطس 2017 / 13:13

قرب استفتاء كردستان.. يدفع بتركيا إلى حضن الشيطان

24 - راما الخضراء

مع اقتراب الموعد الذي حدده إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء على الاستقلال، تتصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإثناء حكومة كردستان عن هذه الخطوة باعتبارها تهدد استقرار المنطقة، إلا أن جميع المؤشرات على الأرض تظهر أن الحكومة ماضية في خطتها.

وفي إطار الخطوات الجدية لتنظيم الاستفتاء، الذي تم تأجيله مرتين سابقاً، زار وفد كردي بغداد منذ يومين، والتقى كل من رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، وسفيري طهران وواشنطن في بغداد.

وترجح كل المؤشرات أن الاستفتاء سيتم في موعده، وأن إقليم كردستان العراق الذي أنشئ في عام 1992 بشكل أحادي، ماض في انتزاع 3 محافظات من العراق تشمل أربيل ودهوك والسليمانية.

تاريخ كردستان
كردستان مصطلح يتكون من كلمتين كرد وستان أي بلاد الكرد، ويستعمله الأكراد للإشارة إلى منطقة جغرافية كبيرة ممتدة في عدة دول ولم تعد موجودة حالياً.

وكردستان التاريخية تشمل 3 أجزاء رئيسية، يطلق عليها كردستان تركيا وكردستان إيران وكردستان العراق، بالإضافة إلى أطراف صغيرة على الحدود الجنوبية لأرمينيا، وهو ما يفسر رفض إيران وتركيا الحاسم للاستفتاء.

وحسب الأكراد، تشمل منطقة كردستان الكبرى أجزاء من تركيا وإيران والعراق، وتعترف إيران والعراق بمناطق كردية على أراضيهما، أما تركيا وسوريا فهما لا تعترفان بذلك، إضافة إلى ذلك، تعيش أقليات كردية في مناطق أخرى مثل أرمينيا وأذربيجان وشمال شرق سوريا.

وتكمن مخاوف تركيا في أن يتحول إقليم كردستان تركيا إلى نموذج لباقي الأكراد في العالم، إذ يعيش نحو 15 مليون كردي في تركيا، ويمثلون 20% من مجموع سكان تركيا و56% من مجموع الكرد في العالم.

ويعد وجود وحدات حماية الشعب الكردية الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، على طول الحدود بين البلدين، مصدر قلق رئيسي لأنقرة.

وتعد أنقرة هذه الجماعات إرهابية وتتهمها بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، الذي شن حركة تمرد منذ عام 1984 ضد القوات التركية في جنوب شرقي تركيا.

واستغل الأكراد النزاعات المسلحة في سوريا والحرب ضد داعش لتحقيق مناطق نفوذ على الأرض، إذ أعلنوا إقامة مناطق فيدرالية في كل من دير الزور وكوباني السوريتين، كما يسعون للتوسع في فيدراليتهم على الحدود التركية.

تحذير تركي
أعربت تركيا مراراً عن رفضها للاستفتاء، إذ أكد وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو موقف بلاده الرافض في أكثر مناسبة للاستفتاء، مشدداً على أن الاستفتاء يمكن أن يؤدي إلى "حرب أهلية".

وقال نائب رئيس الوزراء التركي بكر بوزداغ أن الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، ينتهك الدستور العراقي وسيزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وقد يشعل حرباً في المنطقة،وكان وزير الطاقة التركي براءات البيرق، قد قال الأسبوع الماضي، أن الاستفتاء سيضر بالتعاون في قطاع الطاقة مع إقليم كردستان، الذي يضخ مئات الآلاف من براميل النفط يومياً إلي ميناء جيهان التركي لتصدير الخام.

وتزامن التحذير التركي مع تحرك مفاجئ لرئيس الأركان الإيراني، الذي وصل أنقرة لبحث ملفات عدة على رأسها ملف استفتاء الأكراد، وذلك وفقاً لما نقلته وسائل الاعلام التركية، مما ينبئ عن تنسيق إيراني تركي يشير إلى أن أنقرة وطهران تحاولان توحيد الجهود لمنع إجراء الاستفتاء، لاسيما في ظل المخاوف من أن تشجع هذه الخطوة أكراد تركيا وإيران على الانفصال.

ورغم العلاقات الجيدة بين إيران والأكراد في المناطق المتاخمة للحدود الايرانية، إلا أنها مهددة بالتوتر في حال استقلال إقليم كردستان.

ورغم المصالح السياسية والاقتصادية التي تربط أنقرة بأربيل، إلا أن الأولى قلقة من استقلال كردستان وتفكك العراق وعلى مستقبل التركمان في كركوك، وهذا ما دفعها لتجديد التزامها بوحدة وسلامة الأراضي العراقية، رغم علاقاتها الضعيفة مع بغداد.

وتتخوف حكومة كردستان العراق في حال إعلان الاستقلال من قيام الأتراك بعملية عسكرية في أراضيهم على غرار عملية درع الفرات التي نفذها الجيش التركي في سوريا، أو لجوئهم إلى قطع خط تصدير النفط الرئيسي والوحيد والذي يمتد من السليمانية إلى اسكندرونة.

تقارب إيران وتركيا
وفي مواجهة خطر الانفصال، ظهرت مؤشرات قوية على تقارب إيران مع تركيا نظراً لخطورة "الدولة الوليدة" حال انفصالها، على الأقليات في الدولتين.

وفي هذا السياق، قال رئيس الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، إن لإيران وتركيا موقفاً مشتركاً معارضاً للاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق المزمع اجراؤه الشهر المقبل.

وجاء ذلك في اعقاب لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإجرائه محادثات مع كبار المسؤولين الأمنيين في تركيا، التي يزورها رفقة عدد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين.

وتعد زيارة باقري تلك أول زيارة لرئيس هيئة أركان في الجيش الإيراني لتركيا منذ الثورة الإيرانية في عام 1979.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (ايرنا) عن اللواء باقري قوله إن الطرفين التركي والإيراني أكدا على أن هذا لاستفتاء لو جرى سيشكل أساساً لبدء سلسة من التوترات والمواجهات داخل العراق وستطال تداعياتها دول الجوار.

وشدد على القول إن مسؤولي البلدين يؤكدون على أن هذا الأمر غير ممكن و لا ينبغي أن يحدث، وأشارت وكالة الأناضول التركية الرسمية إلى استقبال أردوغان للواء باقري في لقاء مغلق استمر 50 دقيقة، مضيفة أن الرئاسة التركية لم تصدر أي بيان عن فحوى اللقاء.

وأجرى باقري محادثات في اجتماع مغلق مع نظيره رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار، الذي جاءت زيارته إلى تركيا تلبية لدعوة منه.

وقال باقري إن المباحثات تركزت على تنسيق الجهود بين البلدين من أجل ارساء الأمن والاستقرار في سوريا.

يذكر أن زيارة باقري تتزامن مع بناء تركيا جداراً أمنياً بطول 144 كم على طول جزء من حدودها مع إيران، يهدف إلى منع تسلل الجماعات المسلحة وتهريب المخدرات.

ويعتبر لقاء رئيسي أركان إيران وتركيا للمرة الأولى، أقوى إشارة ضد الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، يستقوي الطرفان بموقف أمريكي معارض لاستقلال الإقليم، وبمباركة روسية للتنسيق بينهما هي امتداد للتنسيق الذي بدأ في الملف السوري ضمن مسار آستانة.

وذكرت صحيفة زمان التركية المعارضة أن الأتراك أبلغوا الإيرانيين استعدادهم للتحالف مع النظام السوري وروسيا وطهران في مواجهة ما سموه المخطط الأمريكي ضدهم، كون الولايات المتحدة تدعم الأكراد في سوريا ضد الإرادة التركية، وهو ما جعل أنقرة تلجأ إلى الحلف الآخر تحسباً لأي طارئ.

رفض دولي وإقليمي
خارجياً، رفضت وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، استفتاء الإقليم، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تحفظه وحذره اتجاه الاستفتاء.

وعبرت ألمانيا عن مخاوفها من الاستفتاء على لسان وزير خارجيتها سيغمار غابرييل الذي أكد أن بلاده تحذر من اتخاذ خطوات أحادية الجانب، لا سيما أن إعادة رسم حدود الدولة ليست هي الطريقة الصحيحة، وقد تؤدي إلى تفاقم الموقف الصعب والمضطرب أساساً في أربيل وبغداد أيضاً.

وقدمت برلين لأكراد العراق 32 ألف بندقية هجومية ومدفع رشاش وغيرها من الأسلحة، بما يقدر قيمته بـ90 مليون يورو منذ سبتمبر (أيلول) 2014، في إطار الحرب على داعش، كما يتمركز نحو 130 جندياً ألمانياً في أربيل لتدريب قوات البشمركة الكردية.

ضغط وانتهاك للدستور
رغم أن نتيجة الاستفتاء محسومة سلفاً، لكن النتيجة لن تغير شيئاً على أرض الواقع، على الأقل في المرحلة الراهنة، لكنها ستضيف الكثير إلى رصيد الرئيس مسعود بارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وأعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن أسفه لطرح موضوع استفتاء الاستقلال بعد تعاون بغداد وأربيل ونجاحهما في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، واعتبر العبادي بأن الاستفتاء غير دستوري، وأن الإقليم جزء من العراق، والأكراد مواطنون من الدرجة الأولى، وسيبقون كذلك.

بدوره، قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، خلال لقائه الوفد المفاوض الخاص بموضوع الاستفتاء في بغداد مؤخراً، إن الاستفتاء لا يصب في مصلحة وحدة العراق الذي خرج تواً من حرب عالمية ضد تنظيم داعش، مضيفاً أنه يسمع من أي بلد من بلدان العالم دعماً لخطوة الاستفتاء.

ويرى مراقبون أن القيادة الكردية تحاول الضغط على بغداد من أجل الحصول على الكثير من المغانم، عبر الضغط على حكومة بغداد عبر الاستفتاء الذي لا يمكن أن يتم حالياً على أرض الواقع بسبب الصعوبات التي يعانيها الإقليم.

وتتعامل الحكومة الاتحادية في بغداد مع الاستفتاء باعتباره انتهاكاً للدستور العراقي الصادر في عام ٢٠٠٥، والذي ينص صراحة على وحدة أراضي العراق مع وجود كيان فيدرالي كردستاني في إطار الجمهورية العراقية.

وفي حين تعتبر بغداد الاستفتاء محاولة لا يمكن القبول بها من جانب الأكراد لتكريس الاستيلاء على الأرض والنفط، حيث يوجد في كردستان ثلث احتياطي العراق من النفط الخام.

يعتبر الأكراد الاستفتاء خطوة مهمة، ليس فقط لتحقيق حلمهم بإقامة دولة مستقلة، وهو الحلم الذي يداعب أكراد المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بل لإجبار حكومة بغداد على الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة النفطية.

مخاوف كردية
تتخوف حكومة إقليم كردستان من أن تؤدي احتجاجات محتملة للعرب والتركمان والشيعة في كركوك عشية الاستفتاء، إلى قيام الحكومة الاتحادية في بغداد بإرسال الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي لاستعادة المدينة.

وهي خطوة من المحتمل أن تؤيدها إيران الحليف الأبرز للعراق، والتي تعارض الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، نظراً لوجود ٨ ملايين كردي يعيشون على أراضيها، وسط مخاوف إيرانية من تنامي المشاعر الانفصالية عبر الحدود.

ويرى خبراء أن انفصال الإقليم الكردي عن العراق سيؤثر على الأمن القومي لأربع دول هي العراق وسوريا وإيران وتركيا.

وتضم محافظة كركوك الغنية بالنفط خليطاً من المكونات العرقية، أبرزها المكون الكردي الذي يشكّل النسبة الأكبر من سكان المدينة، والمكون العربي فضلاً عن المكونين التركماني والآشوري، وتسيطر عليها فعلياً القوى والأحزاب الكردية رغم أنها من المناطق المتنازع عليها وفق الدستور العراقي.

اقتصادياً، يعاني الإقليم بشكل كبير، لا سيَّما المديونيات، ومنها مثلاً ما كشفته اللجنة المالية النيابية قبل شهرين، بأن الإقليم لديه ديون خاصة بتصدير النفط تقدر بـ30 مليار دولار إلى الحكومة الاتحادية.

يذكر أن التصويت غير ملزم، لكنه قد يشكل نواة لإقامة دولة مستقلة كحلم يسعى الأكراد إلى تحقيقه منذ نال الإقليم المكون من 3 محافظات في شمال العراق حكما ذاتياً في عام 1991.

ويتطلع الأكراد الذين يقدر عددهم بنحو 35 مليون نسمة يتوزعون في تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا إلى إقامة دولة مستقلة، في ظل ظروف إقليمية يعتبرونها مواتية خاصة مع احتدام القتال في سوريا والعراق وضد تنظيم داعش.