الداعية الإسلامي أبو حمزة المصري. (أرشيف)
الداعية الإسلامي أبو حمزة المصري. (أرشيف)
الأربعاء 23 أغسطس 2017 / 19:26

الضوء الأخضر

هذه عادة بريطانية قديمة العهد، في توفير الملجأ والرفاهية للمتطرفين المتأسلمين، على أساس افتراض صامت، بأننا إذا وفرنا لهم ملاذاً آمنا هنا، فإنهم لن يهاجموننا على هذه الشطْآن

يتحدث الكاتب الصحفي، والمؤرخ البريطاني، مارك كورتيس، في كتابه الهام، "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين" 2010، عن الضوء الأخضر المُعْطى من بريطانيا، للجماعات الإسلامية المتطرفة مثل الجماعة المسلحة الجزائرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وجماعة الجهاد المصرية، والقاعدة، وجماعة الإخوان المسلمين، لتكوين قواعد لها في لندن. كانت القاعدة تعتبر لندن المركز الاستراتيجي لعملياتها في أوروبا، وكان كثيرون من معاوني بن لادن يعملون من لندن، وجُمع المال في بريطانيا، وباسم العمل الخيري، لتمويل الإرهاب، وتجنيد المجاهدين للقتال في شتى أنحاء العالَم. وصف كريسبن بلاك، وهو محلل سابق لمعلومات المخابرات في رئاسة الوزراء، بقوله: هذه عادة بريطانية قديمة العهد، في توفير الملجأ والرفاهية للمتطرفين المتأسلمين، على أساس افتراض صامت، بأننا إذا وفرنا لهم ملاذاً آمنا هنا، فإنهم لن يهاجموننا على هذه الشطْآن. قال إمام مسجد فينسبوري بارك السابق، عضو تنظيم القاعدة الشهير، محمد كمال، المعروف ب "أبو حمزة المصري"، أثناء محاكمته، بأنه اعتقد أن صفقةً كانت سارية، بمقتضاها يتم التسامح مع أنشطته ما دامتْ تستهدف بلاداً أجنبية فقط. وذكر أيضاً أبو حمزة ، كيف أن جناح المخابرات في سكوتلاند يارد، طمأنه بأن ليس لديك أي شيء تقلق بشأنه ما دمنا لم نر دماً في الشوارع البريطانية. المشكلة أن لا عهود ولا أخلاق بين طرفين على درجة عالية من الإجرام. الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية بتاريخها الأسود في سلب ونهب البلاد، والتنظيمات الإرهابية المتأسلمة التي لم تعرف سوى القتل منذ نشأتها.

أسس أبو حمزة المصري منظمة أنصار الشريعة 1994، وقام في 1995 بثلاث رحلات إلى الحرب في البوسنة، ظاهرياً وتحت غطاء العاملين بتقديم المساعدة، لكنه عمل أيضاً مستشاراً للمقاتلين الجزائريين هناك، وفي العام نفسه طلبتْ الحكومة المصرية تسليم أبي حمزة ليواجه تهماً بالإرهاب، بناء على تورطه مع جماعة الجهاد الإسلامي المصرية، والجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية. رفضتْ بريطانيا طلب التسليم، وكأنها تقول إن أبا حمزة على العهد مع بريطانيا، وهو يعمل خارج الأراضي البريطانية كما وعدنا، يعمل لصالح بريطانيا العظمى.

اعتقلتْ السلطات البريطانية أبا حمزة المصري عقاباً على خيانة العهد عام 2004، وتمتْ إدانته في نفس العام ب 16 اتهاماً، من بينهم، التشجيع على القتل، وخلق كراهية بسبب الانتماء الديني، وحكمتْ عليه المحكمة المركزية في لندن 2006، بالسجن لمدة 7 سنوات. هذا الحكم المخفف، الهزلي، لم يكن نهاية المطاف. قامتْ المحكمة العليا في لندن 2008، بسماح تسليم أبي حمزة المصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا السماح هو بداية عملية تدوير للإرهاب، تماماً مثل دورة رأس المال، إذا تتلقف جهة أخرى، ملف القضية، لحرفها عن المسار الحقيقي. ينزعج الاتحاد الأوروبي الذي تمنع قوانينه إحالة شخص إلى دولة أخرى تُطبق فيها عقوبة الإعدام، وأن أبا حمزة المصري قد يواجه الإعدام الذي تسمح به القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية. نلاحظ هنا أن حقوق الإنسان يجب أن تجد لها موطئ قدمٍ للدفاع عن أكثر الإرهابيين تطرفاً، والحقيقة أن هذا الخداع ينطلي على المواطن الغربي المغرور الذي يعتقد أن الحضارة الغربية لم تنحط بعد، وتملك من الأخلاق ما يرفعها على الشرق المتوحش. تدور مسرحية الإرهاب على خشبة العولمة 4 سنوات. يستأنف أبو حمزة المصري على قرار تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية. جدل، شد، وجذب، تعاطف ليبراليين، وحقوقيين، وما بعد حداثيين، وإنسانيين، وفنانين، مع أبي حمزة المصري، وربما في جدل السنوات الأربع، تُغْسَل أدمغة 1000 من المراهقين التواقين للقتل. يُصْنَع بطل الإرهاب المعولم تحت بصر وسمع العالَم أجمع. تنزل ستارة المسرح مؤقتاً، مع الوعد بمسرحية جديدة. ترفض المحكمة العليا طلب أبي حمزة المصري، ويتم ترحيله للولايات المتحدة الأمريكية 2012، ويُحكم عليه أمام محكمة في نيويورك، بالسجن مدى الحياة.

يسود اعتقاد في أروقة الحكم البريطاني، أن التواطؤ مع المتأسلمين المتطرفين مفيد للسياسة الخارجية البريطانية، وأنه استمرار للدور الذي لعبته هذه الجماعات بانتظام من أجل بريطانيا في عالم ما بعد الحرب. وكانت أجهزة الأمن البريطانية تعتبر العهد الذي أخذته على الإرهابيين بعدم مساس الأراضي البريطانية، تشجيعاً لأفراد من الجماعات الإرهابية نفسها على العمل مع الأمن كمرشدين على أنشطة الجماعات المتأسلمة. كانت الخيانة مألوفة بين الطرفين. إن الفكرة الرئيسية للصحفي والمؤرخ البريطاني مارك كورتيس، أن الحكومات البريطانية العمالية منها كما المحافظة، تواطأت لعقود مع القوى الإسلامية المتطرفة، وعملتْ إلى جانبها، وأحياناً مولتها ودربتها، وهذا التواطؤ ساعد بريطانيا في تحقيق أهداف سياستها الخارجية، أولاً التأثير على المصادر الأساسية للطاقة والسيطرة عليها، ثانياً تثبيت موقع بريطانيا في نظام مالي عالمي مناسب للغرب، ثالثاً تقويض القوى العلمانية والقومية واليسارية في العالم العربي.