أعلام داعش في مسيرة في غزة.(أرشيف)
أعلام داعش في مسيرة في غزة.(أرشيف)
الأحد 27 أغسطس 2017 / 19:50

انتحاري داعش في غزة..!!

بعد الحصاد الدامي لوهم وتجارب دامية، وبعدما ثبت بالدليل في كل مكان صعد فيه الإخوان، ومَنْ يشبهونهم، أن في مجرد صعود هؤلاء ما يزيد من فرص الاحتراب الأهلي، وجاذبية التطرّف، ووتيرة الإرهاب

لا ينبغي لحادثة من نوع أولى عمليات داعش الانتحارية في غزة أن تمر مرور الكرام. وقعت تلك العملية، في الآونة الأخيرة، على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وقيل أن الانتحاري كان في طريقه لاجتياز الحدود إلى سيناء، خلسة، وفجرّ نفسه في شرطة حماس التي حاولت اعتراضه. والملاحظ، في هذا الشأن، ندرة الأخبار ذات الصلة. فحماس تحاول التكتم على الموضوع. ومع ذلك، فإن الحادثة في ذاتها تؤكد جملة من الحقائق:

أولاً، وجود داعش في غزة. وقد نفت حماس، التي انقلبت على السلطة الفلسطينية في العام 2007، لتصبح القوّة المهيمنة، والسلطة الفعلية هناك، وجود داعش، ولكن في العملية المذكورة ما يؤكد بطلان النفي، ويوحي بوجود بنية تحتية للوحش الداعشي بالمعنى الفكري والتنظيمي. وهذا ما يعرفه مواطنو قطاع غزة، ويمكنهم التحقق من تجلياته المختلفة في حياتهم اليومية. وإلى تجليات مختلفة للتطرف في الحياة اليومية، تُضاف حقيقة ما تواتر من أخبار على مدار السنوات القليلة الماضية عن مقتل أشخاص تسللوا، عبر الأنفاق، من قطاع غزة، والتحقوا بداعش في سيناء، وسورية، والعراق.

ثانياً، ألمحت السلطات المصرية، مباشرة ومداورة، على مدار سنوات طويلة، إلى استخدام قطاع غزة كقاعدة خلفية للجماعات الداعشية في سيناء، التي تشن هجمات دامية على قوات الأمن المصرية من وقت إلى آخر. وفي هذه القاعدة الخلفية تعالج الجماعات الداعشية جرحاها، وتدرّب عناصرها، ومنها يخرج المتطوعون عبر الأنفاق للانخراط في صفوفها. ولعل في أولى عمليات داعش الانتحارية في غزة، وحقيقة أن الانتحاري كان يحاول التسلل إلى سيناء، ما يضيف ثقلاً جديداً، وقرينة إضافية، إلى ما لم تكف السلطات المصرية عن ترديده منذ سنوات طويلة.

ثالثاً، لا نعرف، حتى الآن، حجم وقوّة داعش الفكرية والتنظيمية في قطاع غزة، فكل ما يمكن قوله إنه موجود هناك. وبالتالي، من الصعب معرفة ما يمثله من تحد بالنسبة لسلطة حماس بالمعنى الأيديولوجي والسياسي، وما يمثله من تهديد لقبضتها الأمنية. ومع ذلك، في مجرد وجوده ما يؤكد حقيقة أن سلطة حماس ليست بالقوّة التي تحاول التظاهر بها. وإذا وضعنا في الاعتبار تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية في غزة، وحقيقة أن أعداداً متزايدة من الناس تلقي بمسؤولية التردي على عاتق حماس، فإن ما لحق بغزة في ظل سلطة حماس من ويل وثبور يمثل بيئة مثالية لازدياد التطرّف والعدمية الداعشية هناك، مع كل ما ينطوي عليه أمر كهذا من مخاطر وكوارث مُروّعة مُحتملة.

رابعاً، وأخيراً، ثمة مسألة نظرية تتعلّق بفكرة سادت حتى وقت قريب، وثبت، ويثبت، الآن بطلانها. والمقصود، هنا، أن وصول أجنحة "معتدلة" للإسلام السياسي إلى السلطة في مكان ما من شأنه احتواء أجنحته "المتطرفة"، وتقليص فرص الفوضى والاحتراب الأهلي والإرهاب.

وقد اكتسبت هذه المسألة أهمية، ومكانة لا تستحقها، عندما تبنتها دول كبرى، وقوى فاعلة، في العالم والإقليم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وتخيّل صنّاع القرار فيها أن "تمكين" جماعات كالإخوان المسلمين، ومَنْ يشبهونهم، من شأنه تقليص نفوذ جماعات كالقاعدة، وتجريدها من مصادر جاذبيتها الأيديولوجية. وشاءت الظروف أن تقدّم موجة الربيع العربي الفرصة المناسبة لتجريب أمر كهذا، وفرضه على واقع لا يحتمل التجريب.

واليوم، بعد الحصاد الدامي لوهم وتجارب دامية، وبعدما ثبت بالدليل في كل مكان صعد فيه الإخوان، ومَنْ يشبهونهم، أن في مجرد صعود هؤلاء ما يزيد من فرص الاحتراب الأهلي، وجاذبية التطرّف، ووتيرة الإرهاب، لا نشكو من ندرة الدلائل والبراهين في أماكن مختلفة من العالم العربي، وبهذا المعنى يُضاف ما وقع في غزة إلى قائمة أصبحت طويلة الآن من دلائل وبراهين دامية.