قلعة أربيل في كردستان العراق. (أرشيف)
قلعة أربيل في كردستان العراق. (أرشيف)
الأربعاء 30 أغسطس 2017 / 19:58

لمحة من تاريخ الأكراد

لم يقتصر الأمر من الدولة التركية، على إنكار الهوية الكردية، بل تعداه إلى عمليات تتريك قسري، وتقتيل جماعي للأكراد. ولا شك أن الحجم الديموغرافي الكبير للأكراد، وديانتهم الإسلامية، قد حالا دون معاملتهم كما لو أنهم أرمن أو يونان

يؤرخ المفكر الراحل الكبير، جورج طرابيشي (1939- 2016)، في دراسته القيمة "المسألة الكردية"، أنه في 3 مارس (آذار) 1924، صدر مرسوم أتاتوركي يقضي بإلغاء "المَضَافَات" الكردية، ويحظر عادة إكرام الضيف التي هي واحدة من أهم ركائز المجتمع التركي. كانت تركيا في التصور الأتاتوركي، لا تكون أمّة حديثة أوروبية إلا إذا كانت أمّة متجانسة، والأمّة المتجانسة بالتعريف، هي أمّة بلا أقليات، أي أمّة تركية خالصة.

 على هذا الأساس أعلن وزير الخارجية التركي توفيق رشيد، في لقاء له عام 1926، مع نظيره البريطاني، ليعرض عليه الخطة التاريخية لتركيا بخصوص الأقليات اللا تركية، أن استقلال الأمم الصغيرة مستحيل، وأن الأكراد بمستواهم الثقافي المتدني، وعقليتهم المتأخرة، لا يسمحان لنا بامتصاصهم وتمثّلهم، مثلهم مثل هنود أمريكا، فما عليهم إلا أن يضمحلوا من الوجود. وفي هذا السياق جرى اعتبار اللغة الكردية لغة منحطة، وحُظر التخاطب بها. وكان القرويون الأكراد في أسواق المدن التركية، يعبرون عما يريدون قوله بإشارات من أيديهم وهمهمات من حناجرهم، لأنهم لا يتقنون لغة أخرى غير الكردية. وعلى صعيد الفيولوجيا، اللغة الكردية، لغة هند- أوروبية، وإن كان داخلها، مثل اللغة التركية، الكثير من الألفاظ العربية. وطالتْ النزعة القومية النقية، اللغة العربية أيضاً.
 فقد كلف أتاتورك المجمع اللغوي التركي منذ 1932، بتطهير القاموس التركي من ألفاظ الدخيل العربي.

لم يقتصر الأمر من الدولة التركية، على إنكار الهوية الكردية، بل تعداه إلى عمليات تتريك قسري، وتقتيل جماعي للأكراد. ولا شك أن الحجم الديموغرافي الكبير للأكراد، وديانتهم الإسلامية، قد حالا دون معاملتهم كما لو أنهم أرمن أو يونان. ولكن هذا لم يمنع وقوع عمليات تهجير كتلك التي أعقبتْ مذابح الأرمن، والتي أدّت إلى نزوح قسري، لنحو سبعمائة ألف كردي، وتوطينهم في غير أماكن سكناهم الأصلية، من أجل تمثّلهم وتتريكهم. كما أن بعضاً من أخصب أراضي كردستان التركي، أعيد توزيعها على مزارعين أتراك بعد تهجير سكانها الأكراد عنها، لإحاطة المنطقة الحدودية بحزام تركي عازل. سياسة التتريك القسري استثارت من جانب الأكراد التمرد، وكان ثمن التمرد باهظاً، فقد شهد كردستان التركي ما بين 1925 و1936 ثلاث انتفاضات لم تتمخض في النهاية إلا عن دفن كردستان. وبين 1938 و1950، انفرد بحكم تركيا حزب أوحد، وهو حزب الشعب الديموقراطي، بزعامة عصمت أينونو، خليفة كمال أتاتورك، وفي عهده تعاطفتْ الحكومة التركية مع الدول الفاشية، فحظرتْ على طريقة موسوليني في إيطاليا، الحركة النقابية، والإضرابات، واعتقلتْ القادة العماليين الأتراك. لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وخروج الحلفاء منتصرين، وظهور الحاجة إلى التقرب من الغرب، والاستفادة من مشروع مارشال، والمعونة الأمريكية، اضطرتْ الحكومة التركية إظهار واجهة من الديموقراطية.

في 1978، وفي مدينة ليقا قرب ديار بكر، رأى النور حزب العمال الكردستاني، بزعامة عبد الله أوجلان، خريج كلية العلوم السياسية بأنقرة. وتحت لواء الأيديولوجيا الماركسية اللينينية، رفع الحزب شعار استقلال كردستان، فاصطدم بمعارضة المجموعات اليسارية التركية بسبب نزعته القومية، كما اصطدم بمعارضة المجموعات الكردية الأخرى بسبب نزعته الماركسية. لم يمض شهر واحد على تأسيس حزب العمال الكردستاني، حتى وقعتْ مذبحة مدينة مرعش. فقد كانت غالبية سكان هذه المدينة الواقعة على الحدود ما بين تركيا وكردستان، من الأكراد العلويين، بالإضافة إلى أقلية من الأكراد السنيين. وكان الأكراد مُضطَهَدين ومُحتَقَرين بصفتهم الإثنية والطائفية معاً، ومعادين في أكثريتهم للسلطة التركية. وفي ليلة من آخر شهر كانون الأول (ديسمبر) 1978، أغلق الجيش مداخل المدينة، وأباحها للفاشيين من حركة "الذئاب الرمادية"، ليفتكوا بالأكراد بعد أن تم تعليم منازلهم، في تلك الليلة ذُبح ألفان بحسب المصادر الكردية.

في 1992 لقي اثنا عشر صحافياً كردياً مصرعهم، ومنهم الكاتب المسن موسى عنتر. وفي 1994 و1995 اضطر آلاف من سكان كردستان التركي إلى النزوح لكردستان العراقي في المنطقة التي تحميها قوات هيئة الأمم المتحدة، وهذه الحماية لم تمنع القوات التركية من التوغل في آذار (مارس) 1995 في أراضي شمال العراق، في أكبر عملية عسكرية من نوعها 35000 جندي، لمطاردة أنصار حزب العمال الكردستاني الذي أعلن حينئذ سحب شعار استقلال كردستان، ودعا إلى الدخول في مفاوضات من أجل حل سلمي. في 2017 يُعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق عن تنظيم استفتاء على استقلال كردستان في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل 2017. وشدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ضرورة تجنب استقلال الأكراد في شمال البلاد. وطلبتْ واشنطن من بارزاني تأجيل الاستفتاء. وقد تحترق ورقة الاستفتاء في يد مسعود بارزاني، لكثرة مَنْ يمكن أن تحرقهم نارها لو رٌميت على المنضدة.

 فهناك خلاف كبير بين بغداد وأربيل. ماذا لو ضمتْ كردستان بعد الاستقلال، المناطق المُتَنَازَع عليها في نينوي وسنجار وكركوك؟ وماذا لو تحرك الأكراد في سوريا وتركيا وإيران، للمطالبة بالاستقلال؟ وأين واشنطن والغرب من تلك المُعَادَلة المُحْتَمَلة؟ أخيراً ماذا لو كانت "لا" للاستقلال أكثر من "نعم"؟ رداً على طلب التأجيل الأمريكي، طلب بارزاني من واشنطن بشكل براغماتي، تعْجيزي لحد ما، بديلاً يُعادل الاستقلال حتى يقوم بتأجيل الاستفتاء.