أطفال بأزياء عسكرية في غزة.(أرشيف)
أطفال بأزياء عسكرية في غزة.(أرشيف)
الأحد 3 سبتمبر 2017 / 20:17

سكين خشبية، وبعض ما يبرر القلق

إيجاد علاقة منطقية بين مشهد الذبح و"تخريج جيل مبدع" يبدو أمراً بالغ الصعوبة، وهذا يصدق، أيضاً، على حكاية "القيم والسلوكيات والأخلاق السلمية"

يعيش قطاع غزة تحت سلطة جماعة حماس الإخوانية منذ عشر سنوات. وفي حين تحظى التداعيات السياسية لأمر كهذا بقدر كبير من اهتمام المعلّقين على الشأن العام، إلا أن تداعياته الاجتماعية والثقافية المرئية، وبعيدة المدى تبقى، في أغلب الأحيان، على الهامش.

وفي هذا السياق تبدو حادثة وقعت في روضة للأطفال من بين الثالثة والخامسة من العمر، في مدينة رفح، في الأيام القليلة الماضية، وسيلة إيضاح مثالية للكلام عمّا يبرر قرع أكثر من جرس للإنذار. للروضة المعنية صفحة على الفيس بوك، كما هو الشأن مع الغالبية العظمى من المؤسسات، على اختلاف أنواعها، هذه الأيام.

وفي ظل أجواء عيد الأضحى، نشرت الروضة على صفحتها صوراً لمشهد تمثيلي أُرغم الأطفال على تمثيله، ويبدو فيه طفل راكعاً بين مقعدين خشبيين، وحوله تحلّق أطفال، بينما وقفت المربية، وفي يدها سكين طويلة ملوثة بالدماء، في ممارسة لعملية ذبح وهمية، أردت لها أن تكون تجسيداً للدلالة الدينية لعيد الأضحى.

أثارت الصور ردود فعل غاضبة على صفحات التواصل الاجتماعي. وقد أشار البعض إلى حقيقة أن في أعمال كهذه ما يُمهّد لميلاد جيل جديد من الدواعش. والمهم، في هذا الشأن، أن القائمين على الروضة، وصفحتها الإلكترونية، لم يعترفوا بما في المشهد التمثيلي والصور من مخاطر على الصحة النفسية والعقلية للأطفال، بل اعتبروا أن ردود الفعل غير مقبولة "بأي حال من الأحوال"، وفي السياق نفسه عبّروا عن اعتزازهم "بشهادة" مديرية التربية والتعليم في رفح، ومشرفي قسم رياض الأطفال، ويبدو أن هؤلاء لم يجدوا في سلوك المربية ما يبرر النقد أو الاعتراض.

والأسوأ من هذا كله ما جاء في توضيح القائمين على الروضة، الذي جاء فيه أن مشاهد الذبح التمثيلية تُمارس في الروضة منذ أربع سنوات، وأن السكين المُستخدمة في عملية الذبح الوهمية "خشبية" في الواقع. والمفارقة، هنا، أن الروضة المعنية تذكر، على صفحتها الرسمية، بين أهدافها: " تخريج جيل مبدع من الأطفال وعلماء صغار، وتربية الأطفال على القيم والسلوكيات والأخلاق السليمة".

وإذا وضعنا الأخطاء النحوية والإملائية على الصفحة المذكورة، وفيها ما يدل على حقيقة أن الثقافة "اللغوية"، على الأقل، للقائمين على الروضة متواضعة في أفضل الأحوال، فإن إيجاد علاقة منطقية بين مشهد الذبح و"تخريج جيل مبدع" يبدو أمراً بالغ الصعوبة، وهذا يصدق، أيضاً، على حكاية "القيم والسلوكيات والأخلاق السلمية"، إلا إذا سلّمنا باحتمال أن يكون مشهد الذبح جزءاً من منظومة القيم والسلوكيات والأخلاق السليمة".

بيد أن العثور على تناقضات كهذه لا يعفي من التفكير في أمور من نوع: أننا لم نسمع، حتى الآن، ردود فعل غاضبة من جانب أمهات وآباء الأطفال، فعلى الصفحة الإلكترونية بعض "اللايكات"، وعبارات التشجيع، وفيها ما يدل على حقيقة أن جانباً من أولياء الأمور على الأقل، لا يجدون في مشهد الذبح ما يبرر الاعتراض عليه والدعوة إلى وقفه، أو حتى مجرّد التحذير من مخاطر مُحتملة على الصحة النفسية والعقلية لأطفالهم.

وإذا كان كلام القائمين على الروضة عن "شهادة" مديرية التربية والتعليم في رفح، ومشرفي قسم رياض الأطفال، صحيحاً، فنحن إزاء ظاهرة تتجاوز الروضة نفسها، وتمتد إلى جانب من أولياء أمور الأطفال، على الأقل، وجانب من المؤسسات التربوية والتعليمية، والأخيرة، على وجه الخصوص، جزء من المنظومة المؤسساتية لجماعة حماس، وسلطتها في غزة.

وفي سياق كهذا يتجلى ما أسلفنا الحديث عنه، أي الجانب الاجتماعي والثقافي الذي لا يحظى، عادة، ما يستحق من اهتمام. فسلطة حماس في غزة لا تُختزل في صراعها مع السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، على موقع الأولوية والتمثيل، ولا في رؤيتها للحلول المحتملة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بل هي أوسع من هذا بكثير، فهي منظومة اجتماعية، وثقافية متكاملة، ذات آثار مرئية، وبعيدة المدى. وفي هذا وذاك ما يبرر القلق.